للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قال الشنقيطي: لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا أو الآخرة؟ ولكنه بين في موضع آخر أنه شهيد عليهم في الآخرة، وذلك في قوله (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول … ).

(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا) وهي بيت المقدس، كما روى البخاري عَنِ الْبَرَاءِ (أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ - مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلاَّهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ، وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ. قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ

اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ).

ويدل له أيضاً قوله (الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا).

(إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) أي: إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولاً إلى بيت المقدس ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك، ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه، أي: مرتداً عن دينه.

قوله تعالى (إلا لنعلم … ) المراد علماً يترتب عليه الثواب والعقاب، فلا ينافي أنه كان عالماً به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس.

• قال القرطبي: هذا العلم هو العلم الذي يقع عليه به الجزاء، لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم.

• قال الشنقيطي: ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيراً، بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون، وقد بين أنه لا يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا (وَلِيَبْتَلِيَ الله مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور) فقوله (والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور) بعد قوله (وَلِيَبْتَلِيَ) دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئاً لم يكن عالماً به، … ومعنى (إِلاَّ لِنَعْلَمَ) أي علماً يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالماً به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس. أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون، كما لا يخفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>