للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قال ابن رجب: وأيضًا فإن العلم إذا ظهر في الأرض وعمل به درّت البركات ونزلت الأرزاق فيعيش أهل الأرض كلهم، حتى النملة وغيرها من الحيوانات ببركته، ويستبشر أهل السماء بما يرتفع لأهل الأرض من الطاعات والأعمال الصالحات فيستغفرون لمن كان السبب في ذلك.

وعكس هذا أن من كتم العلم الذي أمر الله بإظهاره لعنه الله وملائكته وأهل السماء والأرض، حيث سعى في إطفاء نور الله في الأرض، الذي بسبب إخفائه تظهر المعاصي والظلم والعداوة والبغي.

قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).

وقد قيل أنها نزلت في أهل الكتاب، الذين كتموا ما عندهم في كتابهم من صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وكان أبو هريرة يقول: "لَوْلَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا. وَيَتْلُو هَذِه الآيَةَ".

وفي سنن ابن ماجه عن البراء بن عازب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قَالَ: "دَوَابّ الأَرْضِ".

وقد روي هذا موقوفًا على البراء.

• قال ابن المبارك - رحمه الله:

وهل أَفْسَدَ الدينَ إلا الملوكُ … وأحْبَارُ سُوءٍ ورُهْبَانُهَا

وباعُوا النفوسَ ولم يَرْبَحُوا … ولم تغْلُ في البَيْع أثْمَانُهَا

لقدْ رتعَ القومُ في جِيفَةٍ … يَبِينُ لذِي العَقْلِ إنْتَانُهَا

وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول لعلماء وقته (يا معْشرَ العلماء، ديارُكم هَامَانيَّة، وملابِسُكُم قَارُونية، ومَرَاكِبُكُم فرعونية وولائمُكُمْ جالوتية، فأين السنّةُ المحمدية؟).

قال عبد الله بن المبارك: إذا كتم العالم علمه، ابتلي: إما بموت القلب، أو ينسى، أو يتبع السلطان

(إلَّا الَّذِينَ تَابُوا) هذا استثناء من الله من هؤلاء من تاب إليه فقال (إلَّا الَّذِينَ تَابُوا) أي: رجعوا عما كانوا فيه، والتوبة الرجوع من معصية الله إلى طاعته، والمراد بالتوبة هنا الرجوع عن كتمان ما أنزل الله إلى بيانه ونشره.

(وَأَصْلَحُوا) أي: أصلحوا نياتهم وأحوالهم وأعمالهم، وأصلحوا ما بينهم وبين الله.

• قال ابن عاشور: وشُرط للتوبة أن يصلحوا ما كانوا أفسدوا وهو بإظهار ما كتموه وأن يبينوه للناس فلا يكفي اعترافهم وحدهم أو في خلواتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>