للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• فقوله تعالى (على حبه) على حب المال، هذا القول هو الصحيح، وهو قول الأكثر، خلافاً لمن قال إن الضمير في قوله (على حبه) يرجع إلى الله، أو من قال يرجع إلى الإيتاء، أي على حب الإيتاء.

• فإنفاق المال على حبه من أفضل القربات وأعظمها، لأن المال محبوب للنفس.

• واختلف العلماء في هذه الآية (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) فقيل: يَحْتَمِلُ بِهِ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ ويحتمل: أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّطَوُّعَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا الْوَاجِبَةُ، وَإِنَّمَا فِيهَا حَثٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَوَعْدٌ بِالثَّوَابِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهَا أَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ، وَهَذَا لَفْظٌ يَنْطَوِي عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، إلَّا أَنَّ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ، وَنَسَقِ التِّلَاوَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الزَّكَاةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) فَلَمَّا عَطَفَ الزَّكَاةَ عَلَيْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الزَّكَاةَ بِالصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا.

• قال الرازي: وهذا التأويل يدل على أن الصدقة حال الصحة أفضل منها عند القرب من الموت، والعقل يدل على ذلك أيضاً من وجوه:

أحدها: أن عند الصحة يحصل ظن الحاجة إلى المال وعند ظن قرب الموت يحصل ظن الاستغناء عن المال، وبذل الشيء عند الاحتياج إليه أدل على الطاعة من بذله عند الاستغناء عنه على ما قال (لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ).

وثانيها: أن إعطاءه حال الصحة أدل على كونه متيقناً بالوعد والوعيد من إعطاءه حال المرض والموت.

وثالثها: أن إعطاءه حال الصحة أشق، فيكون أكثر ثواباً قياساً على ما يبذله الفقير من جهد المقل فإنه يزيد ثوابه على ما يبذله الغني.

ورابعها: أن من كان ماله على شرف الزوال فوهبه لأحد مع العلم بأنه لو لم يهبه لضاع فإن هذه الهبة لا تكون مساوية لما إذا لم يكن خائفاً من ضياع المال ثم إنه وهبه منه طائعاً وراغباً فكذا ههنا.

وخامسها: أنه متأيد بقوله تعالى (لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) وقوله (وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبّهِ) أي على حب الطعام.

• وقال السعدي: بيَّن به أن المال محبوب للنفوس، فلا يكاد يخرجه العبد، فمن أخرجه مع حبه له تقرباً إلى الله تعالى، كان هذا برهاناً لإيمانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>