وقد جاء في الصحيحين قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولم يحل إلا ساعة من نهار، وإنها ساعتي هذه، حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة).
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنها منسوخة، ورجحه الطبري.
نسخها قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
وحكى ابن عطية في المحرر على أن الجمهور على القول بالنسخ.
• قال القرطبي: ومما احتجوا به أن (براءة) نزلت بعد سورة البقرة بسنتين، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعليه المغفر، فقيل: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: (اقتلوه).
وقال مكي في الإيضاح: والبين الظاهر في الآية أنها منسوخة، وهو قول أكثر العلماء، لأن قتال المشركين فرض لازم في كل موضع كانوا فيه.
والراجح الأول وأنها غير منسوخة.
• قال مجاهد: الآية محكمة، ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل، وبه قال طاووس.
• قال القرطبي: وهو الذي يقتضيه نص الآية، وهو الصحيح من القولين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وسلم- (إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ولا يعضد بها شوكاً، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها كحرمتها بالأمس). متفق عليه
فبين -صلى الله عليه وسلم- أنه خص في تلك الساعة بالإباحة على سبيل التخصيص، لا على وجه النسخ.
وكذلك آية السيف عامة وهذه الآية خاصة، والعام لا ينسخ الخاص، بل يعمل العام فيما عدا الخاص.
• قال القرطبي: وأما ما استدلوا به من قتل ابن خطل فلا حجة فيه، فإن ذلك كان في الوقت الذي أحلت له مكة وهي دار حرب وكفر، وكان له أن يريق دماء من شاء من أهلها في الساعة التي أحل له فيها القتال.
(فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) أي: فإن قاتلوكم في الحرم، ولم يراعوا حرمة الحرم فاقتلوهم فيه معاملة لهم بالمثل، ودفاعاً عن دينكم ودمائكم وأعراضكم وأوطانكم وأموالكم وحرمات المسلمين.