وبين في موضع آخر أن من ثمرة ولايته إذهاب الخوف والحزن عن أوليائه، وبين أن ولايتهم له تعالى بإيمانهم وتقواهم وذلك في قوله تعالى (ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ).
وصرح في موضع آخر أنه تعالى ولي نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنه أيضاً يتولى الصالحين وهو قوله تعالى (إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين).
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) أي: وأما الكافرون فأولياؤهم الشياطين.
• قال الشيخ ابن عثيمين: وإذا تأملت هذه الجملة، والتي قبلها تجد فرقاً بين التعبيرين في الترتيب، ففي الجملة الأولى قال تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) لأمور ثلاثة:
أحدها: أن هذا الاسم الكريم إذا ورد على القلب أولاً استبشر به.
ثانياً: التبرك بتقديم ذكر اسم الله عز وجل.
ثالثاً: إظهار المنة على هؤلاء بأن الله هو الذي امتن عليهم أولاً، فأخرجهم من الظلمات إلى النور.
وأما الجملة الثانية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) ولو كانت على سياق الأولى لقال: والطاغوت أولياء الذين كفروا، ومن الحكمة في ذلك:
أولاً: ألا يكون الطاغوت في مقابلة اسم الله.
ثانياً: أن الطاغوت أهون وأحقر من أن يُبدأ به ويقدّم.
ثالثاً: إن البداءة بقوله (والذين كفروا) أسرع إلى ذمهم مما لو تأخر ذكره.
• قال الشنقيطي: قال بعض العلماء: الطاغوت الشيطان ويدل لهذا:
قوله تعالى (إِنَّمَا ذلكم الشيطان يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي يخوفكم من أوليائه.
وقوله تعالى (الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً).
وقوله (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) الآية.
وقوله (إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَآءَ) الآية.
والتحقيق أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت والحظ الأكبر من ذلك للشيطان كما قال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان) الآية.
وقال (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً).
وقال عن خليله إبراهيم (يا أبت لَا تَعْبُدِ الشيطان) الآية.
وقال (وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) إلى غير ذلك من الآيات.
(يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) أي: يخرجونهم من نور الإيمان إلى ظلمات الشك والضلالة.
• قال الخازن: إنما سمي الكفر ظلمة لالتباس طريقه، ولأن الظلمة تحجب الأبصار عن إدراك الحقائق فكذلك الكفر يحجب القلوب عن إدراك حقائق الإيمان وسمي الإسلام نوراً لوضوح طريقه وبيان أدلته.