• فإن قيل: فكيف يخرجونهم من النور، وهم لم يدخلوا فيه؟
قيل: إن الآية مخصوصة بأهل الكتاب الذين كانوا مقرين بنبوة موسى وكذلك المقرين بنبوة عيسى، وكانوا متبعين لملتهم، فهؤلاء كانوا على نور، فلما جاءهم محمد -صلى الله عليه وسلم- كفروا به فدخلوا في ظلمات الكفر بعد أن خرجوا من نور الإيمان.
وقيل: إن المراد بإخراجهم من الظلمات إلى النور الحيلولة بينهم وبين الإيمان حتى يضلونهم عن طريق الإيمان، فيكون التضليل إخراج من النور إلى الظلمات.
وقيل: إنه لما ظهرت معجزات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان المخالف له خارجاً من نور قد علمه، والموافق له خارجاً من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
• قال الشنقيطي: المراد بالظلمات الضلالة، وبالنور الهدى، وهذه الآية يفهم منها أن طرق الضلال متعددة لجمعه الظلمات وأن طريق الحق واحدة لإفراده النور، وهذا المعنى المشار إليه هنا بينه تعالى في مواضع أخر كقوله (وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلَا تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِه).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية ما نصه: ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات، لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة كما قال (وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلَا تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وقال تعالى (وَجَعَلَ الظلمات والنور).
• وقال ابن القيم: والمقصود أن طريق الحق واحد إذ مرده إلى الله الملك الحق وطرق الباطل متشعبة متعددة فإنها لا ترجع إلى شيء موجود ولا غاية لها يوصل إليها بل هي بمنزلة بنيات الطريق وطريق الحق بمنزلة الطريق الموصل إلى المقصود فهي وإن تنوعت فأصلها طريق واحد، ولما كانت الظلمة بمنزلة طرق الباطل والنور بمنزلة طريق الحق فقد أفرد النور وجمعت الظلمات وعلى هذا جاء قوله (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات).
فوحد ولي الذين آمنوا وهو الله الواحد الأحد، وجمع الذين كفروا لتعددهم وكثرتهم وجمع الظلمات وهي طرق الضلال والغي لكثرتها واختلافها ووحد النور وهو دينه الحق وطريقه المستقيم الذي لا طريق إليه سواه.
(أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ) الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه، والغريم لغريمه، لأن الأصل في الصحبة طول الملازمة.