للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• فإن قال قائل: ما الجواب عن قوله -صلى الله عليه وسلم- (نحن أحق بالشك من إبراهيم)؟

الجواب: قيل: معنى الحديث أن الشك يستحيل في حق إبراهيم، فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقاً إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم لم يشك، وإنما خص إبراهيم لكون الآية قد يسبق منها إلى بعض الأذهان الفاسدة احتمال الشك، وإنما رجح إبراهيم على نفسه تواضعاً وأدباً، أو قبل أن يعلم أنه خير ولد آدم.

بهذا التأويل قال الخطابي، والطحاوي، وابن حزم، والقاضي عياض، وابن عطية، وابن الجوزي، والنووي، وابن حجر، وابن عثيمين.

وقيل: إن الحديث كان رداً على قوم أثبتوا الشك لإبراهيم.

وقيل: أن المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (نحن) أمته الذين يجوز عليهم الشك. والأول أصح. نقل

(قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) أي: فخذ أربعة طيور.

• قال ابن كثير: اختلف المفسرون في هذه الأربعة ما هي؟ وإن كان لا طائل تحت تعيينها، إذ لو كان في ذلك مُتَّهم لنص عليه القرآن، فروي عن ابن عباس أنه قال: هي الغرنوق، والطاوس، والديك، والحمامة. وعنه أيضًا: أنه أخذ وزًّا، ورألاً -وهو فرخ النعام -وديكاً، وطاووسًا. وقال مجاهد وعكرمة: كانت حمامة، وديكا، وطاووسًا، وغرابًا.

(فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) بضم الصاد أي: أمِلْهُنّ إليك، وقيل: ضُمّهُنّ إليك.

وفي قراءة (فصِرهن) تكون بمعنى قَطّعْهُنّ.

أي: ضُمّهُنّ إليك ثم اقطعهن ثم اخلط بعضهن ببعض حتى يصبحن كتلة واحدة.

(ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) أي: فرّق أجزاءهن على رؤوس الجبال.

(ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) أي: بسرعة.

• قال ابن كثير: فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن، ثم قطعهن ونتف ريشهن، ومزقهن وخلط بعضهن في ببعض، ثم جزأهن أجزاءً، وجعل على كل جبل منهن جزءًا، قيل: أربعة أجبل. وقيل: سبعة. قال ابن عباس: وأخذ رؤوسهن بيده، ثم أمره الله عز وجل، أن يدعوهن، فدعاهن كما أمره الله عز وجل، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعياً، ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم -عليه السلام-، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله وقوته.

وقال أبو حيان: أمره بدعائهنّ وهنّ أموات، ليكون أعظم له في الآية، ولتكون حياتها متسببة عن دعائه، ولذلك رتب على دعائه إياهنّ إتيانهنّ إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>