• وقال السعدي: فعل ذلك، وفرق أجزاءهن على الجبال، التي حوله، ودعاهن بأسمائهن، فأقبلن إليه، أي: سريعات، لأن
السعي: السرعة، وليس المراد أنهن جئن على قوائمهن، وإنما جئن طائرات، على أكمل ما يكون من الحياة، وخص الطيور بذلك، لأن إحياءهن أكمل وأوضح من غيرهن.
وأيضاً أزال في هذا كل وهم، ربما يعرض للنفوس المبطلة، فجعلهن متعددات أربعة، ومزقهن جميعاً، وجعلهن على رؤوس الجبال، ليكون ذلك ظاهراً علناً، يشاهد من قرب ومن بعد، وأنه نحاهن عنه كثيراً، لئلا يظن أن يكون عاملاً حيلة من الحيل، وأيضاً أمره أن يدعوهن فجئن مسرعات.
فصارت هذه الآية أكبر برهان على كمال عزة الله وحكمته.
وفيه تنبيه على أن البعث فيه يظهر للعباد كمال عزة الله وحكمته وعظمته وسعة سلطانه، وتمام عدله وفضله.
(وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ) اسم من أسماء الله متضمن لصفة العزة وهي ثلاثة أنواع: عزة القدْر: بمعنى أن الله ذو قدْر شريف عظيم، وعزة القهر: بمعنى أن الله القاهر لكل شيء، لا يُغلب، وعزة الامتناع: بمعنى أنه يمتنع أن يناله أحد بسوء أو نقص.
(حَكِيمٌ) اسم من أسماء الله متضمن لصفة الحكمة البالغة، فأوامره وأحكامه وأفعاله كلها لحكمة.
فهو سبحانه حكيم في صنعه، وحكيم في شرعه، فجميع مصنوعاته كلها محكمة، قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) وأما في الشرع فيقول سبحانه (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فلا يمكن أن يوجد تناقض في القرآن أبداً.
قال بعض العلماء: الحكمة تكون في صورة الشيء: أي أن خلق الإنسان على هذه الصورة لحكمة، وكذلك خلق الحيوان على هذه الصورة لحكمة.