ثم قال: واتفق العلماء على إخفاء الصدقة النافلة أفضل من إظهارها.
قال السعدي: وإن أخفاها وسلمها للفقير كان أفضل، لأن الإخفاء على الفقير إحسان آخر، وأيضاً فإنه يدل على قوة الإخلاص، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله (من تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
• قال ابن كثير: فيه دلالة على إن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية.
فالأصل أن الإسرار أفضل، لهذه الآية، ولما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
وجاء في الحديث (صدقة السر تطفئ غضب الرب).
• قال القرطبي: قوله تعالى (فَنِعِمَّا هِيَ) ثناء على إبداء الصدقة، ثم حكم على أن الإخفاء خير من ذلك.
ولذلك قال بعض الحكماء: إذا اصطنعت المعروف فاستره، وإذا اصطُنع إليك فانشره.
وقال العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-: لا يتمّ المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيلُه وتصغيرُه وسترهُ؛ فإذا أعجلته هنيّته، وإذا صغّرته
عظّمته، وإذا سترته أتْمَمْته.
وقال بعض الشعراء فأحسن:
زاد معروفُك عندي عِظَماً … أنه عندك مستورٌ حقِيرْ
تَتَناساه كأَنْ لَمْ تأتِه … وهو عند الناس مشهور خطِيرْ
• وقال رحمه الله: ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوّع؛ لأن الإخفاء فيها أفضل من الإظهار، وكذلك سائر العبادات الإخفاءُ أفضل في تطوّعها لانتفاء الرياء عنها.