قال ابن عباس: جعل الله صدقة السر في التطوّع تفضُل علانيتها يقال بسبعين ضِعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سِرِّها يقال بخمسة وعشرين ضِعفاً.
قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها.
قلت: مثل هذا لا يقال من جهة الرأي وإنما هو توقيف؛ وفي صحيح مسلم عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (أفضل صلاة المرء في بيته إِلا المكتوبة) وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عُرضة لذلك، وروى النَّسائيّ عن عُقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (إن الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة والذي يُسِرّ بالقرآن كالذي يُسِرّ بالصدقة وفي الحديث: صدقة السرّ تُطْفِئ غضب الرب).
• قال ابن القيم: وتأمل تقييده تعالى الإخفاء بإيتاء الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهو خير لكم، فإن من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيش، وبناء قنطرة، وإجراء نهر أو غير ذلك، وأما إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد: الستر عليه، وعدم تخجيله بين الناس وإقامته مقام الفضيحة وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى وأنه لا شيء له فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدر زائد من الإحسان إليه بمجرد الصدقة مع تضمنه الإخلاص وعدم المراءاة وطلبهم المحمدة من الناس، وكان إخفاؤها للفقير خيراً من إظهارها بين الناس، ومن هذا مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقة السر وأثنى على فاعلها وأخبر أنه أحد السبعة الذين هم في ظل عرش الرحمن يوم القيامة ولهذا جعله سبحانه خيرا للمنفق وأخبر أنه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته ولا يخفى عليه سبحانه أعمالكم ولا نياتكم فإنه بما تعملون خبير.
• قوله تعالى (وَيُكَفِّرُ) يستر، مأخوذة من (الكَفْر) بفتح الكاف وسكون الفاء، وهو الستر، ومنه سميت الكفارة، لأنها تستر الذنب، وسمي الزارع كافراً لأنه يستر الحب في الأرض، وسمي الليل كافراً لأنه يستر الكون بظلامه، وسمي الشخص الكافر لأنه ستر نعمة الله عليه.