واختلف العلماء في المراد بهم هنا على أقوال: أصحها أنها تعم كل من زاغ عن الحق ومال عنه.
ورجحه الطبري، وابن عطية، والرازي، وأبو حيان، والشوكاني، والقاسمي، وابن عاشور، والسعدي.
• قال الطبري: وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معنيّ بها كل مبتدع في دين الله بدعةً فمال قلبه إليها، تأويلاً منه لبعض مُتشابه آي القرآن، ثم حاجّ به وجادل به أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات، إرادةً منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين، وطلبًا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك، كائنًا من كان، وأيّ أصناف المبتدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية، أو كان سَبئيًا، أو حروريًّا، أو قدريًّا، أو جهميًّا، كالذي قال -صلى الله عليه وسلم- (فإذا رأيتم الذين يجادلون به، فهم الذين عنى الله، فاحذروهم).
• وقال ابن عطية: والإشارة بذلك أولاً إلى نصارى نجران وإلى اليهود الذين كانوا معاصرين لمحمد عليه السلام فإنهم كانوا يعترضون معاني القرآن، ثم تعم بعد ذلك كل زائغ.
• وقال الرازي: وقال المحققون إن هذا يعم جميع المبطلين وكل من احتج لباطله بالمتشابه لأن اللفظ عام وخصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ ويدخل فيه كل ما فيه لبس واشتباه ومن جملته ما وعد الله به الرسول من النصرة وما أوعد الكفار من النقمة ويقولون ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ
• وقال الشوكاني: وهذه الآية تعمّ كل طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق.
(فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم.
• قال الشوكاني: أي يتعلقون بالمتشابه من الكتاب، فيشككون به على المؤمنين، ويجعلونه دليلاً على ما هم فيه من البدعة المائلة عن الحق، كما تجده في كل طائفة من طوائف البدعة، فإنهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعباً شديداً، ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شيء.