للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممن رجح هذا القول الشنقيطي، فقال رحمه الله: قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله) يحتمل أن المراد بالتأويل في هذه الآية الكريمة التفسير وإدراك المعنى، ويحتمل أن المراد به حقيقة أمره التي يؤول إليها وقد قدمنا في مقدمة هذا الكتاب أن من أنواع البيان التي ذكرناها فيه أن كون أحد الاحتمالين هو الغالب في القرآن، يبين أن ذلك الاحتمال الغالب هو المراد، لأن الحمل على الأغلب أولى من الحمل على غيره.

وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الغالب في القرآن إطلاق التأويل على حقيقة الأمر التي يؤول إليها كقوله: (هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) وقوله (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) الآية. وقوله (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) وقوله (ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) إلى غير ذلك من الآيات.

ثم قال رحمه الله: ومما يؤيد أن الواو استئنافية لا عاطفة، دلالة الاستقراء في القرآن أنه تعالى إذا نفى عن الخلق شيئاً وأثبته لنفسه، أنه لا يكون له في ذلك الإثبات شريك:

كقوله (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله).

وقوله (لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ).

وقوله (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ).

فالمطابق لذلك أن يكون قوله (ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ) معناه: أنه لا يعلمه إلا هو وحده كما قاله الخطابي وقال: لو كانت الواو في قوله (والراسخون) للنسق لم يكن لقوله (كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا) فائدة والقول بأن الوقف تام على قوله (إِلاَّ اللهُ) وأن قوله (والراسخون) ابتداء كلام هو قول جمهور العلماء للأدلة القرآنية التي ذكرنا.

وذهب بعض العلماء إلى الوصل ولم يقف (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).

• قال الشنقيطي: وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَدَحَهُمْ بِالرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ فَكَيْفَ يَمْدَحُهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ جُهَّالٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>