وإذا كان متَّبع المتشابه يستطيع أن يبطل التوحيد بنصوص ينتقيها من القرآن فلن يعجز عن إبطال ما هو دون التوحيد من الواجبات: كصلاة الجماعة، وحجاب المرأة، ووجوب المحرم لها، وغير ذلك، وسيجد من النصوص ما يؤيد باطله إذا كانت العملية عملية انتقاء واختيار.
• وفي وصية عظيمة نافعة في هذا المجال ينقلها ابن القيم عن شيخه ابن تيمية - رحمهما الله تعالى - فيقول:(وقال لي شيخ الإسلام -رضي الله عنه- وقد جعلتُ أُورِد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته؛ وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات أو كما قال، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك).
وقد تضافر المنقول عن السلف الصالح في التحذير ممن فتنوا في دينهم باتباع المتشابه وترك المحكم.
فقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما: لا تجالسنَّ مفتوناً، فإنه لا تخطئك منه إحدى خلتين: إما أنَّ يفتنك فتتبعه، وأما أنَّ يؤذيك قبل أنَّ تفارقه.
وقال أبو قلابة: لا تجالسوا أصحاب الأهواء؛ فإني لا آمن أنَّ يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم ما تعرفون.
وقال رجل للحسن رحمه الله تعالى: تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني فإن كنت أضللت دينك فالتمسه.
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل.
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) ذهب أكثر السلف إلى الوقف على قوله (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ). وتكون الواو في (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ … ) للاستئناف، ويكون المعنى: أن هذا المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، أما الراسخون في العلم
الذين لم يعلموا تأويله يقولون (آمَنَّا بِهِ … ) وليس في كلام ربنا تناقض ولا تضارب.