للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال -صلى الله عليه وسلم- (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء أخذ المال من حلال أو حرام) رواه البخاري.

وقال -صلى الله عليه وسلم- (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)

قال ابن رجب: هذا مثل عظيم ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين باتا في الغنم، قد غاب عنها رعاؤها ليلاً، فهما يأكلان في الغنم ويفترسان فيها.

فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حرص المرء على المال والشرف إفساد لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم.

فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا.

• الحرص على المال على نوعين:

الأول: شدة محبة المال مع شدة طلبه من جوه المباحة المبالغة في طلبه والجد في تحصيله.

ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي لا قيمة له، وقد كان يمكن صاحبه فيه اكتساب الدرجات العلى والنعيم المقيم، فضيّعه بالحرص في طلب رزق مضمون مقسوم.

فالحريص يضيع زمانه الشريف يخاطر بنفسه لتي لا قيمة لها في الأسفار وركوب الأخطار لجمع مال ينتفع به غيره.

قيل لبعض الحكماء: إن فلاناً جمع مالاً، فقال: فهل جمع أياماً ينفقه فيها؟ قيل: لا. قال: ما جمع شيئاً

كان عبد الأحد بن زيد يحلف بالله، لحرص المرء على الدنيا أخوف عليه عندي من أعدى أعدائه.

وفي بعض الآثار الإسرائيلية: الرزق مقسوم، والحريص محروم، ابنَ آدم، إذا أفنيتَ عمرَك في طلب الدنيا، فمتى تطلب الآخرة.

إذا كنت في الدنيا عن الخيرِ عاجزاً فما أنت في يومِ القيامة صانعُ.

قال بعض السلف: إذا كان القدر حقاً فالحرصُ باطلٌ، وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثقة بكل أحدٍ عجزٌ، وإذا كان الموت لكلِ أحد راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمق.

كتب بعض الحكماء إلى أخٍ له كان حريصاً على الدنيا: أما بعد، فإنك أصبحت حريصاً على الدنيا، تخدمها وهي تزجرُك عن نفسها بالأعراض والأمراض والآفات والعلل، كأنك لم تر حريصاً محروماً، ولا زاهداً مرزوقاً، ولا ميتاً عن كثير، ولا مبلغاً من الدنيا باليسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>