وقال: حمل الصدق كحمل الجبال الرواسي لا يطيقه إلا أصحاب العزائم.
وقال: فإن العبد الصادق لا يرى نفسه إلا مقصراً والموجب له لهذه الرؤية: استعظام مطلوبه واستصغار نفسه ومعرفته بعيوبها، وقلة زاده في عينه، فمن عرف الله وعرف نفسه، لم يرَ نفسه إلا بعين النقصان.
قال: ومن علامة الصادق: أنه لا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضا محبوبه ويستكثر من الأسباب التي تقربه إليه وتدنيه منه، لا لعلة من
علل الدنيا ولا لشهوة من شهواتها، كما قال عمر بن الخطاب: لولا ثلاث لما أحببت البقاء في الدنيا لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر.
وقال: ومن علامات الصادقين: التحبب إلى الله بالنوافل والإخلاص في نصيحة الأمة، والأنس بالخلوة والصبر على مقاساة الأحكام، والإيثار لأمر الله، والحياء من نظره، والتعرض لكل سبب يوصل إليه والقناعة بالخمول، وأن يكون نومه غلبه، وأكله فاقه وكلامه ضرورة، وإذا سمع شيئاً من علوم القوم فعمل به: صار حكمة في قلبه إلى آخر عمره ينتفع به، وإذا تكلم انتفع به من سمعه.
وقال: ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية، سمي (الصديق) على الإطلاق والصديق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق؛ فأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص للمرسل.