• قال الشنقيطي: قوله تعالى (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية، هذه الآية الكريمة توهم أن اتخاذ الكفار أولياء إذا لم يكن من دون المؤمنين لا بأس به بدليل قوله (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) وقد جاءت آيات أخر تدل على منع اتخاذهم أولياء مطلقا:
كقوله تعالى (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً).
وكقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ … ) الآية.
والجواب عن هذا: أن قوله (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لا مفهوم له، وقد تقرر في علم الأصول أن دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة له موانع تمنع اعتباره، منها كون تخصيص المنطوق بالذكر لأجل موافقته للواقع كما في هذه الآية؛ لأنها نزلت في قوم والَوْا اليهود دون المؤمنين، فنزلت ناهية عن الصورة الواقعة من غير قصد التخصيص بها، بل موالاة الكفار حرام مطلقاً.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) أي: من يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله.
• قال ابن جرير (فليس من الله في شيء) يعني فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر.
• وقال القرطبي: أي: ليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء، وهو إذاً من حزب الشيطان وأنصاره.
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) أي: إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ.
• قال الجصاص: قَوْله تَعَالَى (إلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) يَعْنِي أَنْ تَخَافُوا تَلَفَ النَّفْسِ وَبَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَتَتَّقُوهُمْ بِإِظْهَارِ الْمُوَالَاةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ لَهَا، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) أي: فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه فيعاقبكم على ذلك.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) تحذير من المخالفة ومن التساهل في دعوى التقية واستمرارها أو طول زمانها.