العجمة أتيت يا أبا عثمان! إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد خلفا ولا عارا أن تعد شرا ثم لا تفعله، بل ترى أن ذلك كرم وفضل، إنما الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعله. قال: فأوجدني هذا في كلام العرب، قال: أما سمعت:
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ولا أختبي من خشية المتهدد وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وقال إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن قريش بن أنس: سمعت عمرو بن عبيد يقول: يؤتى بي يوم القيامة، فأقام بين يدي الله تعالى، فيقول لي: لم قلت: إن القاتل في النار؟ فأقول: أنت قلته ثم تلا ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ الآية، قال: فقلت له - وما في القوم أصغر مني -: أرأيت إن قال لك: إني قد قلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر لهذا؟ قال: فما رد علي شيئا. والأخبار عنه في هذا الباب كثيرة جدا.
قال الخطيب: كان يسكن البصرة، وجالس الحسن، وحفظ عنه، واشتهر بصحبته، ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة، فقال بالقدر ودعا إليه، واعتزل أصحاب الحسن، وكان له سمت وإظهار زهد، ويقال: إنه هو وواصل ولدا جميعا سنة (٨٠).
وقال البخاري: قال لي ابن المثنى عن قريش بن أنس: مات سنة (٣) أو (١٤٢).
وقال الساجي: مات سنة (٣) وكان قدريا داعية، فتركه أهل النقل ومن كان يميز الأثر، وروى عنه الغرباء، وكان له زهد وسمت، فظنوا به خيرا، وقد روى عنه شعبة حديثين ثم تركه.
وقال الواقدي وغيره: مات سنة (٤).
وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: مات سنة (٨).
وذكر ابن قتيبة أن المنصور رثاه لما مات.
قال نصر بن مرزوق، عن إسماعيل بن مسلمة القعني: رأيت الحسن بن أبي جعفر في النوم فقال لي: أيوب، ويونس، وابن عون في الجنة. قلت: فعمرو بن عبيد؟ قال: في النار. ثم رأيته بعد ذلك فقال لي مثل ذلك.
ورواه جعفر بن محمد الرسعني، عن إسماعيل بن مسلمة نحوه، وذكر الرؤيا ثلاثا.
وروى (خ) في الفتن من صحيحه، عن الحجبي، عن حماد بن زيد، عن رجل لم يسمه، عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة. الحديث، فقيل: إن الرجل المكنى عنه هو عمرو بن عبيد.
قلت: لم يخرج البخاري هذا الإسناد للاحتجاج، وإنما أخرجه ليبين أنه غلط، يظهر ذلك من سياقه، فإنه قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، عن رجل لم يسمه، عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد؟، قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله ﵌، فقال: قال رسول الله ﵌: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما الحديث. قال حماد بن زيد: فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به، فقالا: إنما روى هذا الحديث الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن أبي بكرة، حدثنا سليمان - يعني: ابن حرب - حدثنا حماد - يعني: ابن زيد - بهذا.
وقال مؤمل - يعني: ابن إسماعيل -: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، ويونس، وهشام، ومعلى بن زياد، عن الحسن، عن الأحنف، عن أبي بكرة، عن النبي ﵌ به، ورواه معمر عن أيوب.
فهذا كما ترى لم يقصد البخاري منه إلا رواية حماد عن يونس وأيوب عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة وهي الرواية المتصلة الصحيحة، ولم يقصد الرواية المبهمة المنقطعة، ولم يسقها إلا في ضمن القصة، فلا يقال في مثل هذا: إن البخاري أخرج عن عمرو بن عبيد وأبهمه، بل الظاهر أن حماد بن زيد هو الذي تعمد عدم تسميته، وقصد التنبيه على سوء حفظه بكونه جعل القصة التي للأحنف للحسن، وهذا واضح بين بحمد الله، وقد بينت في تغليق التعليق من وصل حديث مؤمل ومعمر