الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وبعد:
فإن "تهذيب الكمال" للحافظ المزّي، و "تهذيبه" للحافظ ابن حجر كتابان استوعبا تراجم الكتب الستة وغيرها من تواليف أصحابها استيعابًا لم يتركا لمن يجيء بعدهما زيادة لمستزيد، حتى يصح لنا أن نقول: إن "التهذيبين" في الرجال بمنزلة "الصحيحين" في الحديث دقةً وإتقانًا.
وكما اضطلعت مؤسسة الرسالة بنشر "تهذيب الكمال" بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، وقدَّمت بذلك خدمة جليلة للسُّنَّة النبوية، كان لا بد لها من أن تكمل الطريق، وتشفعه بنشر "تهذيب التهذيب"، فتكون بذلك قد أنجزت هذا المشروع الضخم، واضعةً بين أيدي الباحثين نصوصًا يطمئنون إلى صحتها في دراستهم للأسانيد، وهم يقارنون بين الروايات، وتكون بذلك قد مهدت الطريق لدراسة الحديث النبوي، وإحياء ما اندرس من علومه، ولا سيما وهو المصدر الثاني للتشريع.
وإذا كان مجال العمل رحبًا في "تهذيب الكمال" من حيث ذكر مصادر الترجمة والتعليق على مادتها، فقد جعلناه ضيقًا في "تهذيب التهذيب" حيث كانت الغايةُ هي إخراج نصٍّ صحيح دون إثقاله بالحواشي والتعاليق إلا ما لا مندوحة عنه، وتركنا عن عمدٍ الإشارة إلى أخطاء الطبعة المتداولة - وهي التي قامت بها دائرة المعارف النظامية في حيدر آباد الدكن (١٣٢٥ هـ)، وعنها صورت أو نضدت باقي الطبعات - وما أكثرها.
واعتمدنا في تصحيح النص على أصل هذا الكتاب، وهو "تهذيب الكمال"، وما استدركناه منه وضعناه بين حاصرتين دون إشارة إلى ذلك في الحواشي، وأما زيادات الحافظ المستهلة بـ "قلت"، فقد عارضناها بأصولها ما أمكننا ذلك، واضعين بين حاصرتين ما استدركناه منها. وضبطنا الأعلام الواردة ضبطًا تامًّا، لأنه عليها مدار الكتاب، ولم نعرف منها إلا ما مست الحاجة إلى تعريفه. وفككنا رموز تحمّل الحديث إلى ألفاظه، وصححنا بعض رقوم أصحاب الكتب الستة بما يتفق مع ما ذكره المِزِّي في ذيل الترجمة، وما أثبته الحافظ نفسه في التقريب فيما بعد.