للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مقدمة المصنف]

الحمد لله الذي تفرد بالبقاء والكمال، وقسم بين عباده الأرزاق والآجال، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا، وملوكا وسوقة ليتناصفوا، وبعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، وختمهم بخيرته من خليقته السالك بتأييده الطريق المستقيم على المحجة. وأشهد أن لا إله إلا الله على الإطلاق، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى أهل الآفاق، المنعوت بتهذيب الأخلاق ومكارم الأعراق، وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما متعاقبين إلى يوم التلاق.

أما بعد فإن (كتاب الكمال في أسماء الرجال) الذي ألفه الحافظ الكبير أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، وهذبه الحافظ الشهير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي، من أجل المصنفات في معرفة حملة الآثار وضعا، وأعظم المؤلفات في بصائر ذوي الألباب وقعا، ولا سيما التهذيب فهو الذي وفق بين اسم الكتاب ومسماه، وألف بين لفظه ومعناه، بيد أنه أطال وأطاب، ووجد مكان القول ذا سعة فقال وأصاب، ولكن قصرت الهمم عن تحصيله لطوله فاقتصر بعض الناس على الكشف من الكاشف الذي اختصره منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي.

ولما نظرت في هذه الكتب وجدت تراجم (الكاشف) إنما هي كالعنوان تتشوق النفوس إلى الاطلاع على ما وراءه، ثم رأيت للذهبي كتابا سماه (تذهيب التهذيب) أطال فيه العبارة، ولم يعد ما في التهذيب غالبا، وإن زاد ففي بعض الأحايين وفيات بالظن والتخمين، أو مناقب لبعض المترجمين، مع إهمال كثير من التوثيق والتجريح، اللذين عليهما مدار التضعيف والتصحيح.

هذا وفي التهذيب عدد من الأسماء لم يعرف الشيخ بشيء من أحوالهم، بل لا يزيد على قوله روى عن فلان، روى عنه فلان، أخرج له فلان، وهذا لا يروي الغلة ولا يشفي العلة. فاستخرت الله تعالى في اختصار التهذيب على طريقة أرجو الله أن تكون مستقيمة وهو أنني أقتصر على ما يفيد الجرح والتعديل خاصة، وأحذف منه ما أطال به الكتاب من الأحاديث التي يخرجها من مروياته العالية من الموافقات والأبدال، وغير ذلك من أنواع العلو، فإن ذلك بالمعاجم والمشيخات أشبه منه بموضوع الكتاب، وإن كان لا يلحق المؤلف من ذلك عاب، حاشَ وكلا، بل هو - والله - العديم النظير، المطلع النحرير، لكن العمر يسير، والزمان قصير، فحذفت هذا جملة وهو نحو ثلث الكتاب.

ثم إن الشيخ قصد استيعاب شيوخ صاحب الترجمة، واستيعاب الرواة عنه، ورتب ذلك على حروف المعجم في كل ترجمة، وحصل من ذلك على الأكثر، لكنه شيء لا سبيل إلى استيعابه ولا حصره، وسببه انتشار الروايات وكثرتها وتشعبها وسعتها، فوجد المتعنت بذلك سبيلا إلى الاستدراك على الشيخ بما لا فائدة فيه جليلة ولا طائلة، فإن أجل فائدة في ذلك هو في شيء واحد، وهو إذا اشتهر أن الرجل لم يرو عنه إلا واحد، فإذا ظفر المفيد له براو آخر أفاد رفع جهالة عين ذلك الرجل برواية راويين عنه، فتتبع مثل ذلك والتنقيب عليه مهم.

وأما إذا جئنا إلى مثل سفيان الثوري وأبي داود الطيالسي ومحمد بن إسماعيل وأبي زرعة الرازي ويعقوب بن سفيان، وغير هؤلاء ممن زاد عدد شيوخهم على الألف فأردنا استيعاب ذلك تعذر علينا غاية التعذر، فإن اقتصرنا على الأكثر والأشهر بطل ادعاء الاستيعاب، ولا سيما إذا نظرنا إلى ما روي لنا عمن لا يدفع قوله، أن يحيى بن سعيد الأنصاري راوي حديث الأعمال، حدث به عنه سبع مائة نفس، وهذه الحكاية ممكنة عقلا ونقلا، لكن لو أردنا أن نتبع من روى عن يحيى بن سعيد

<<  <  ج: ص:  >  >>