• قال بعض العلماء: أن الملك وهو جبريل -عليه السلام- - لما استسلمت مريم لقضاء الله - نفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج فحملت بالولد بإذن الله تعالى.
قال تعالى في سورة مريم (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا. فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا. يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).
• قوله تعالى عنها (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا) أي قبل هذا الحال.
• تمنت مريم الموت لسببين:
الأول: خوفاً من أن يقع أناس ويفتنوا بسببها.
الثاني: حتى لا تتهم بدينها.
• وقولها (وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً) أي لم أخلق ولم أك شيئاً.
قال ابن كثير: فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية.
وقوله تعالى (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا) قولان للعلماء في المراد به:
فقيل: هو جبريل، وهو قول ابن عباس.
وقيل: عيسى، ورجحه ابن جرير والشنقيطي.
قال الشنقيطي مرجحاً هذا القول: فأشارت إليه، وإشارتها إليه ليكلموه قرينة على أنها عرفت قبل ذلك أنه يتكلم على سبيل خرق العادة لندائه لها عندما وضعته.
(أَلاَّ تَحْزَنِي) أي ناداها قائلاً لها: لا تحزني (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً) أي جعل جدولاً صغيراً يجري أمامك (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ)
أي حركي جذع النخلة اليابسة (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) أي طرياً لذيذاً نافعاً (فكلي) من التمر (واشربي) من النهر (وقري عيناً) بهذا المولود عيسى، ولا تحزني.