(فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً) أي مهما رأيت من أحد (فَقُولِي) المراد بهذا القول الإشارة إليه بذلك، لا أن المراد به القول اللفظي لئلا ينافي [فلن أكلم اليوم إنسياً](إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً) أي سكوتاً.
(فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً) أي فلن أكلم أحداً من الناس.
• قال السعدي: فأمرها أنها إذا رأت أحداً من البشر أن تقول على وجه الإشارة إني نذرت للرحمن صوماً، لتستريح من قولهم وكلامهم، وإنما لم تؤمر بمخاطبتهم في نفْي ذلك عن نفسها، لأن الناس لا يصدقونها، ولا فائدة فيه، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد، أعظم شاهداً على قراءتها.
قوله تعالى (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ) يقول تعالى مخبراً عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك وأن لا تكلم أحداً من البشر، فإنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها، فسلمت الأمر لله واستسلمت لقضائه، فأخذت ولدها فأتت به قومها تحمله، فلما رأوها كذلك أعظموا أمرها واستنكروه جداً وقالوا:
قوله تعالى (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً) أي أمراً عظيماً.
(يَا أُخْتَ هَارُونَ) اختلف العلماء ما المراد بهارون هنا؟
فقيل: نسبة إلى رجل صالح في قومها اسمه هارون، أي يا شبيهة هارون بالعبادة.
وقيل: كانت من نسل هارون، كما يقال للتميمي: يا أخا تميم.
• وليس المراد به هارون أخا موسى بالاتفاق، لأن الله ذكر في كتابه أنه قفى بعيسى بعد الرسل، فدل على أنه آخر الأنبياء بعثاً، وليس بعده إلا محمد -صلى الله عليه وسلم- ولهذا ثبت في الحديث الصحيح قال -صلى الله عليه وسلم- (أنا أولى الناس بابن مريم، لأنه ليس بيني وبينه نبي).
(مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) يا أخت الرجل الصالح هارون ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش، وما كانت أمك امرأة سوء تأتي البِغاء.