(فأشارت إليه) أي أنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قضيتها وقالوا لها ما قالوا معرضين بقذفها ورميها بالفرية، وقد كانت يومها ذلك صائمة صامتة، فأحالت الكلام عليه، وأشارت لهم إلى خطابه وكلامه.
• ومعنى إشارتها إليه: أي أنهم يكلمونه فيخبرهم بحقيقة الأمر، بدليل أنهم قالوا (كيف نكلم من كان في المهد صبياً).
فقالوا متهكمين بها ظانين أنها تزدري بهم وتلعب بهم (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً) أي من هو موجود في مهده في حال صباه وصغره، كيف يتكلم؟ (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى وبرأه عن الولد، وأثبت لنفسه العبودية لربه.
كما قال تعالى (وقال عيسى يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم).
وقال (إن الله ربي وربكم هذا صراط مستقيم).
وقال تعالى عنه (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم).
• قال العلماء: إنما قدم ذكر العبودية ليبطل قول من ادعى فيه الربوبية.
(قَالَ) لها الملك في جواب هذا السؤال:
(كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) أي: هكذا أمْرُ الله عظيم، لا يعجزه شيء. وصرح هاهنا بقوله (يَخْلُقُ) ولم يقل: (يفعل) كما في قصة زكريا، بل نص هاهنا على أنه يخلق؛ لئلا يبقى شبهة.
(إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي: فلا يتأخر شيئًا، بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة، كقوله تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي: إنما نأمر مرة واحدة لا مثنوية فيها، فيكون ذلك الشيء سريعًا كلمح بالبصر.
• قال الطبري: يقول تعالى: قالت مريم إذ قالت لها الملائكة أنّ الله يبشرك بكلمة منه: (ربِّ أنَّى يكون لي ولد) من أيِّ وجه يكون
لي ولد؟ أمِن قبل زوج أتزوجه وبعل أنكحه، أمْ تبتدئ فيَّ خلقه من غير بعل ولا فحل، ومن غير أن يمسَّني بشر؟ فقال الله لها (كذلك الله يخلق ما يشاء) يعني: هكذا يخلق الله منك ولدًا لك من غير أن يمسَّك بشر، فيجعله آيةً للناس وعبرة، فإنه يخلق ما يشاء ويصنعُ ما يريد، فيعطي الولد من يشاء من غير فحل ومن فحلٍ، ويحرِمُ ذلك من يشاءُ من النساء وإن كانت ذات بعلٍ، لأنه لا يتعذر عليه خلق شيء أراد خلقه، إنما هو أن يأمر إذا أراد شيئًا ما أراد خلقه فيقول له (كن فيكون) ما شاء، مما يشاء، وكيف شاء.