• قال ابن كثير: يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت، فلهذا ما كادوا يذبحونها.
وقيل: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها، وفي هذا نظر.
وقيل: أنهم كادوا ألا يذبحوها خوفاً من الفضيحة التي ستحل بالقاتل وقومه.
ورجح ذلك ابن جرير؛ فقال: والصواب من التأويل عندنا أن القوم لم يكادوا يفعلون ما أمرهم الله به من ذبح البقرة للخلتين كلتيهما، إحداهما: غلاء ثمنها، مع ما ذكر لنا من صغر خطرها وقلة قيمتها، والأخرى: خوف عظيم الفضيحة على أنفسهم بإظهار نبي الله موسى على قاتله.
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) أي وإذ قتلتم نفساً محرمة فاختلفتم فيها، فبين الله ما حصل بواسطة هذه البقرة التي ذبحت.
• هذه الآية مؤخرة في التلاوة، مقدمة في المعنى.
• قال القرطبي: قوله تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فادارأتم فِيهَا) هذا الكلام مقدّم على أوّل القصة، التقدير: وإذ قتلتم نفساً
فادارأتم فيها: فقال موسى: إن الله يأمركم بكذا، وهذا كقوله (الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً) أي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّماً وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً؛ ومثله كثير.
• قوله (نفساً) لم يصرح هل هذه النفس ذكر أم أنثى، وقد أشار إلى أنها ذكر بقوله تعالى (فقلنا اضربوه .. ).
(وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أي مظهر ما تخفونه.
والآية تدل على أن من فعل سوءاً وكتمه أن الله يظهره، فلا يسر الإنسان سريرة - غالباً - إلا ألبسه الله رداءها.
(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ) أي: اضربوا القتيل، وصيغة الجمع للتعظيم.
(بِبَعْضِهَا) أي ببعض البقرة، وهذا البعض لم يحدد، فأي شيء ضرب به حصلت المعجزة.
قال الرازي: في الكلام محذوف والتقدير، فقلنا اضربوه ببعضها فضربوه ببعضها فحيى إلا أنه حذف ذلك لدلالة قوله تعالى (كذلك يُحْيِ الله الموتى).
قال ابن كثير: هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة، فالمعجزة حاصلة به، وخرق العادة به كائن، وقد كان معيناً في نفس الأمر، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا، ولكنه أبهمه ولم يجي من طريق صحيح عن معصوم بيانه، فنحن نبهمه كما أبهمه الله.