• وقال القرطبي: قوله تعالى (مِنَ النساء) بدأ بهِنّ لكثرة تشوّف النفوس إليهن؛ لأنهنّ حبائل الشيطان وفتنة الرجال.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ما تركت بعدي فِتنةً أشدَّ على الرجال من النساء) أخرجه البخاريّ ومسلم.
ففتنة النساء أشدّ من جميع الأشياء.
ويقال: في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة.
فأمّا اللتان في النساء فإحداهما: أن تؤدِّي إلى قطع الرِحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأُمَّهَات والأخوات.
والثانية: يُبْتلى بجمع المال من الحلال والحرام.
وأمّا البنون فإن الفتنة فيهم واحدة، وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم.
• وقد حذر الإسلام من الفتنة بالنساء.
فالشهوة أمرها خطير وشرها جسيم، فكم من عابد لله حولته الشهوة إلى فاسق، وكم من عالم حولته إلى جاهل، وكم أخرجت أناساً من الدين كانوا في نظر من يعرفهم أبعد الناس عن الضلال والانحراف، ولذا قال أحد السلف: لم يكن كفر من مضى إلا من قِبَل النساء وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء.
وقد أورد القرطبي مجموعة من القصص والأمثلة التي تبين مدى خطورة هذا الداء، وأنه سبب قوي للانتكاس والردة.
فقد ذكر أن رجلاً ملتزماً مسجداً للأذان والصلاة، وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة، وكان مثالاً لأهل الخير والصلاح، وكان يرقى كل يوم المنارة للأذان، وفي أحد الأيام نظر إلى بيت نصراني ذمي تحت منارة المسجد فرأى بنت صاحب الدار فافتتن بها وترك الأذان ونزل إليها ودخل الدار، فقالت له: ماذا تريد؟ قال: أريدك أنتِ، قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبتني لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة، قال: أتزوجك، قالت له: أنت مسلم وأنا نصرانية، وأبي لا يزوجني منك، قال لها: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل، فتنصر ليتزوجها، وأقام معها في الدار، وقبل الزواج رقى إلى سطح الدار فسقط منه فمات، فلا ظفر بها، ولا ظفر بدينه، فنعوذ بالله من سوء الخاتمة.
وذلك مما يؤكد أن الفتنة بالنساء في الحرام موجب للانتكاسة عن الإيمان والاستقامة.
• قصة ذكرها ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين فقال: وفيها توفي عبده بن عبد الرحيم قبحه الله، ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيراً في بلاد الروم، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم، إذ
نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن، فهويها، فراسلها: ما السبيل إلى الوصول إليك؟ فقالت: أن تتنصر وتصعد إليّ، فأجابها إلى ذلك، فما راع المسلمين إلا وهو عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك غماً شديداً، وشق عليهم مشقة عظيمة، فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن، فقالوا: يا فلان ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟ فقال: اعلموا أني أُنسيت القرآنَ كله إلا قوله: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وقد صار لي فيهم مال وولد " [البداية والنهاية ١١/ ٦٤]