للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• وقال ابن الجوزي: بلغني عن رجل كان ببغداد يُقال له: صالح المؤذن، أذّن أربعين سنة، وكان يُعرف بالصلاح، أنه صعد يوماً إلى المنارة ليؤذن، فرأى بنت رجل نصراني كان بيته إلى جانب المسجد، فافتتن بها، فجاء فطرق الباب، فقالت: من؟ فقال: أنا صالح المؤذن، ففتحت له، فلما دخل ضمها إليه، فقالت: أنتم أصحاب الأمانات فما هذه الخيانة؟ فقال: إن وافقتني على ما أريد وإلا قتلتك، فقالت: لا؛ إلا أن تترك دينك، فقال: أنا بريء من الإسلام ومما جاء به محمد، ثم دنا إليها، فقالت: إنما قلت هذا لتقضي غرضك ثم تعود إلى دينك، فكُلْ من لحم الخنزير، فأكل، قالت: فاشرب الخمر، فشرب، فلما دبّ الشراب فيه دنا إليها، فدخلت بيتاً وأغلقت الباب، وقالت: اصعد إلى السطح حتى إذا جاء أبي زوّجني منك، فصعد فسقط فمات، فخرجت فلفّته في ثوب، فجاء أبوها، فقصّت عليه القصة، فأخرجه في الليل فرماه في السكة، فظهر حديثه، فرُمي في مزبلة. [ذم الهوى ٤٠٩]

قال طاوس: ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء.

وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وخلق الإنسان ضعيفاً) أي وخلق الله الإنسان ضعيفاً، أي: لا يصبر عن النساء.

وكان يقال: لا تعقد قلبك مع المال لأنه فيء ذاهب، ولا مع النساء لأنها اليوم معك وغداً مع غيرك، ولا مع السلطان لأنه اليوم لك وغداً لغيرك.

ويكفي في هذا قول الله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة).

• ومن أرخى لشهوته العنان؛ فإن سعار هذه الشهوة لا حد له ولا انقضاء، والمولع بشهوة الجنس بدون ضابط، أو رادع؛ لا يقف ولا يرعوي، يقول الشيخ علي الطنطاوي: لو أوتيتَ مال قارون، وجسد هرقل، وواصلتك عشر آلاف من أجمل النساء من كل لون وكل شكل، وكل نوع من أنواع الجمال، هل تظن أنك تكتفي؟ لا، أقولها بالصوت العالي: لا .. أكتبها بالقلم العريض .. ولكن واحدة بالحلال تكفيك. لا تطلبوا مني الدليل؛ فحيثما تلفّتم حولكم وجدتم في الحياة الدليل قائماً ظاهراً مرئياً.

• وفي الأدب الكبير، لابن المقفع: اعلم أن من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأجلبها للعار، وأزراها للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار: الغرام بالنساء. ومن العجب أن الرجل لا بأس بلبّه ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها، فيصوّر لها في قلبه الحُسن والجمال حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية ولا خبر مخبر، ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح، وأدمّ الدمامة، فلا يعظه ذلك؛ ولا يقطعه عن أمثالها، ولا يزال مشغوفاً بما لم يذق، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة، لظن أن لها شأناً غير شأن ما ذاق، وهذا هو الحمق والشقاء والسفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>