• وقال السعدي: وأما شهادة أهل العلم فلأنهم هم المرجع في جميع الأمور الدينية، خصوصاً في أعظم الأمور وأجلها وأشرفها وهو التوحيد، فكلهم من أولهم إلى آخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا إليه وبينوا للناس الطرق الموصلة إليه، فوجب على الخلق التزام هذا الأمر المشهود عليه والعمل به، وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد، لأن الله شهد به بنفسه وأشهد عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصر، ففيه دليل على أن من لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة فليس من أولي العلم.
• قال القرطبي: في هذه الآَية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحدٌ أشرفَ من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء.
وقال في شرف العلم لنبيه -صلى الله عليه وسلم- (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله المزيد منه كما أمر يستزيده من العلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (إنّ العلماء ورثة الأنبياء) وقال (العلماء أُمَنَاء الله على خلقه) وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحلُّ لهم في الدّين خطير.
وقال ابن القيم: استشهد سبحانه بأولى العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده فقال (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ) وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه:
أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر.
والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته.
والثالث: اقترانها بشهادة ملائكته.
والرابع: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول، ومنه الأثر المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).
الخامس: أنه وصفهم بكونهم أولى العلم، وهذا يدل على اختصاصهم به وأنهم أهله وأصحابه ليس بمستعار لهم.
السادس: أنه سبحانه استشهد بنفسه وهو أجل شاهد ثم بخيار خلقه وهم ملائكته والعلماء من عباده ويكفيهم بهذا فضلاً وشرفاً.
السابع: أنه استشهد بهم على أجل مشهود به وأعظمه وأكبره، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، والعظيم القدر إنما يستشهد على الأمر العظيم أكابر الخلق وساداتهم.
الثامن: أنه سبحانه جعل شهادتهم حجة على المنكرين فهم بمنزلة أدلته وآياته وبراهنيه الدالة على توحيده.
التاسع: أنه سبحانه أفرد الفعل المتضمن لهذه الشهادة الصادرة منه ومن ملائكته ومنهم ولم يعطف شهادتهم بفعل آخر غير شهادته، وهذا يدل على شدة ارتباط شهادتهم بشهادته، فكأنه سبحانه شهد لنفسه بالتوحيد على ألسنتهم وأنطقهم بهذه الشهادة فكان هو الشاهد بها لنفسه إقامة وإنطاقاً وتعليماً وهم الشاهدون بها له إقراراً واعترافاً وتصديقاً وإيماناً.