اكتبوا عن هذا الشاب، فإنه لو كان في زمن الحسن بن أبي الحسن لاحتاج الناس إليه لمعرفته بالحديث وفقهه.
وقال حاشد بن عبد الله: سمعت المسندي يقول: محمد بن إسماعيل إمام، فمن لم يجعله إماما فاتهمه.
وقال أيضا: رأيت محمد بن رافع، وعمرو بن زرارة عند محمد بن إسماعيل يسألانه عن علل الحديث، فلما قاما قالا لمن حضر: لا تخدعوا عن أبي عبد الله، فإنه أفقه منا وأعلم وأبصر.
وقال الحسين بن محمد بن حاتم المعروف بعبيد العجل: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل ومسلم لم يكن يبلغه، ورأيت أبا زرعة وأبا حاتم يستمعان قوله. وذكر له قصة محمد بن يحيى معه فقال: ما لمحمد بن يحيى ولمحمد بن إسماعيل، كان محمد أمة من الأمم، وأعلم من محمد بن يحيى بكذا وكذا، كان دينا فاضلا يحسن كل شيء.
وقال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي وأبو زرعة، ثم تركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى أنه أظهر عندهم أن لفظه بالقرآن مخلوق.
وقال محمد بن نصر المروزي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: من قال عني: إني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب، وإنما قلت: أفعال العباد مخلوقة.
وقال أبو عمرو الخفاف: حدثنا التقي النقي العالم الذي لم أر مثله محمد بن إسماعيل، وهو أعلم بالحديث من إسحاق وأحمد وغيرهما بعشرين درجة، ومن قال فيه شيئا فعليه مني ألف لعنة.
وقال مسلمة في الصلة: كان ثقة جليل القدر عالما بالحديث، وكان يقول بخلق القرآن، فأنكر ذلك عليه علماء خراسان فهرب، ومات وهو مستخف.
قال: وسمعت بعض أصحابنا يقول: سمعت العقيلي لما ألف البخاري كتابه الصحيح عرضه على ابن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، فامتحنوه، وكلهم قال: كتابك صحيح إلا أربعة أحاديث. قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة.
قال مسلمة: وألف علي ابن المديني كتاب العلل، وكان ضنينا به، فغاب يوما في بعض ضياعه، فجاء البخاري إلى بعض بنيه وراغبه بالمال على أن يرى الكتاب يوما واحدا، فأعطاه له فدفعه إلى النساخ فكتبوه له ورده إليه، فلما حضر علي تكلم بشيء، فأجابه البخاري بنص كلامه مرارا، ففهم القضيه واغتم لذلك، فلم يزل مغموما حتى مات بعد يسير، واستغنى البخاري عنه بذلك الكتاب، وخرج إلى خراسان، ووضع كتابه الصحيح فعظم شأنه، وعلا ذكره، وهو أول من وضع في الإسلام كتابا صحيحا، فصار الناس له تبعا بعد ذلك.
قلت: إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبين فساده، فمن ذلك إطلاقه بأن البخاري كان يقول بخلق القرآن، وهو شيء لم يسبقه إليه أحد، وقد قدمنا ما يدل على بطلان ذلك، وأما القصة التي حكاها فيما يتعلق بالعلل لابن المديني، فإنها غنية عن الرد لظهور فسادها، وحسبك أنها بلا إسناد، وأن البخاري لما مات علي كان مقيما ببلاده، وأن العلل لابن المديني قد سمعها منه غير واحد غير البخاري، فلو كان ضنينا بها لم يخرجها، إلى غير ذلك من وجوه البطلان لهذه الأخلوقة، والله الموفق.
وقال صالح جزرة: قال لي أبو زرعة الرازي: يا أبا علي، نظرت في كتاب محمد بن إسماعيل هذا أسماء الرجال - يعني: التاريخ - فإذا فيه خطأ كثير، فقلت: له بلية أنه رجل كل من يقدم عليه من العراق من أهل بخارى نظر في كتبهم، فإذا رأى اسما لا يعرفه، وليس عنده كتبه - وهم لا يضبطون ولا ينقطون - فيضعه في كتابه خطأ، وإلا فما رأيت خراسانيا أفهم منه.
وأما ما رجحه المصنف من أن النسائي لم يلق البخاري، فهو مردود، فقد ذكره في أسماء شيوخه الذين لقيهم، وقال فيه: ثقة مأمون، صاحب حديث، كيس. وروينا في كتاب الإيمان لأبي عبد الله بن منده حديثا رواه عن حمزة، عن النسائي، حدثني محمد بن إسماعيل البخاري، وكونه روى عن الخفاف عنه لا يمنع أن يكون لقيه، بل الظاهر أنه لم يكثر عنه، فاحتاج أن يأخذ عن بعض أصحابه، والله أعلم، وسيأتي في آخر من اسمه محمد بن إسماعيل زيادة في هذه [المسألة].