وأما النفس ونحوها فإن هاهنا أمرين: عوارض، ومعروضات لها.
فالعوارض: كون النفس تتألم وتلتذ وتعلم وتجهل، ونحو ذلك من كونها ربط بها حياة البدن، وتدبير الأغذية والادوية، وتصرفات الأمراض وتنوعها وتحليلها وتزيدها.
والمعروض له: هو الشئ الذي عرض له هذه الأمور، وهو كنه النفس وحقيقتها من حيث هي هي، فالعوارض هي المعلومة بالضرورة لنا، وأما الكنه والحقيقة التى عرضت لها هذه الأمور فمجمهولة لنا بالضرورة، وهذا كما نقول: إذا رأينا صنعة نعلم أن لها صانعا، ومدبرا بالضرورة، وكنه ذلك الصانع وحقيقته غير معلومة بالضرورة، وكذلك قال العلماء: كنه حقيقة الله تعالى غير معلوم للبشر، وكونه صانع العالم ضروريا، فإن دلالة الصنعة على صانعها ضرورى، فبهذا الطريق يحصل الجمع بين كون النفس غير ضرورية، وبين صحة استدلاله -رحمه الله تعالى - فإنى إنما أعلم نفسى بالضرورة من حيث عوارضها، لا من حيث هي هي، وكذلك جميع الصور المجهولة التى علمت من وجه الضرورة.
((سؤال))
إذا سلم له أن العلم والظن غير مكتسبين لقولة جلاهما فكيف حدهما؟ أم العلم فتعرض لتحديده في التقسيم؛ لأن التقسيم إنما أتى به للتحديد كما قال: الفصل الثالث في تحديد العلم والظن، ثم أنه ذكر التقسيم، ثم أنه تعرض لتحديد الظن ثانيا بقوله:((الظن تغليب لأحد مجوزين ظاهرى التجويز))، فأحد الكلامين باطل.
((تنبيه))
أسقط ((المنتخب)) هذا البحث، وقال ((الحاصل)): لا سبيل إلى تحديد العلم؛ لأن الحد كاشف عن المعلوم، ولا كاشف عن العلم ألبتة، وإلا لدار بل هو الكاشف عن غيره.