وقولنا:((حكم الله - تعالى - في حقه))، ولم نقل: يجب عليه العمل بمقتضى ظنه؛ لأن الاجتهاد قد يُفضِى إلى إباحة مباح، فلا يجب العمل لتعذر الوجوب في المباح، وكذلك المندوب والمكروه والحرام.
فإن قلت: هذه الأحكام كلها وإن لم يجب فيها مباشرة الفعل، لكنه يجب اعتقاد الإباحة والندب ونحوهما.
قلت: الاجتهاد ما وقع في الاعتقاد، إنما وقع في الفعل ما حكم الله - تعالى - فيه، فأداه اجتهاده إلى إباحة ذلك الفعل، فالفعل هو المحترز منه، لا اعتقاد حكمه، وإن كان الاعتقاد قد وقع فيه الاجتهاد أيضا، لكن معنا أمران مُجتهد فيهما:
أحدهما: يجب وهو الاعتقاد.
والآخر: لا يجب وهو الفعل، فيجب الاحتزار عنه، وهذا التقرير يظهر بطلان قول من يقول: الثابت بالإجماع إنما هو وجوب العمل لا الحكم، وهل وجوب العمل إلا الحكم؟ وكيف ينطقون بوجوب العمل ولا يعتقدونه حكما؟ وكيف يخصصون وجوب العمل مع أن الاجتهاد قد يقع في المباح وغيره؟ ولا يمكن حمله على وجوب الفتوى، فإن المجتهد قد يتعين له الحكم بالإجماع، ولا يفتى به لكونه خاصا به في واقعة وقعت له، أو أنه لم يسئل عنه، أو يسئل ولا يجيب لكون غيره قد قام مقامه في الفتوى، فسقط عنه الوجوب، فالقول بوجوب العمل لا يصح كما قاله الإمام وغيره، ومن قال بوجوب العمل فهي هفوَةٌ منه، فليراجع ذهنه.
البرهان الثاني: نقول: ((كل حكم شرعى ثابت بالإجماع، وكل ما هو ثابت بالإجماع فهو معلوم، فكل حكم شرعى معلوم)).
إنما قلنا: إن كل حكم شرعى ثابت بالإجماع، لأن الأحكام قسمان: