اعلم أن المصالح بالإضافة إلى شهادة الشرع ثلاثة أقسام:
أحدها: ما شهد الشرع باعتباره، وهو: القياس الذي تقدم شرحه.
وثانيها: ما شهد الشرع ببطلانه؛ مثاله قول بعض العلماء لبعض الملوك، لما جامع في نهار رمضان: عليك صوم شهرين متتابعين، فلما أنكر عليه؛ حيث لم يأمره بإعتاق رقبةٍ، قال: لو أمرته بذلك، لسهل عليه، ولاستحقر إعتاق رقبة في قضاء شهوته.
واعلم أن هذا باطل؛ لأنه حكم على خلاف حكم الله تعالى؛ لمصلحة تخيلها الإنسان بحسب رأيه، ثم إذا عرف ذلك من جميع العلماء، لم تحصل الثقة للملوك بفتواهم، وظنوا أن كل ما يفتون به، فهو تحريف من جهتهم بالرأى.
القسم الثالث: ما لم يشهد له بالاعتبار، ولا بالإبطال نص معين، فنقول: قد ذكرنا في كتاب القياس: أن المناسبة: إما أن تكون في محل الضرورة، أو الحاجة، أو التتمة: فقال الغزالي - رحمه الله-: أما الواقع في محل الحاجة، أو التتمة، فلا يجوز الحكم فيها بمجرد المصلحة؛ لأنه يجري مجرى وضع الشرع بالرأي، وأما الواقع في رتبة الضرورة، فلا يبعد أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد.
ومثاله: أن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أساري المسلمين، فلو كففنا عنهم، لصدمونا، واستولوا على دار الإسلام، وقتلوا كافة المسلمين، ولو رمينا الترس، لقتلنا مسلمًا لم يذنب؛ وهذا لا عهد به في الشرع.