قوله:(الجَان مأخوذ من الاجْتِنَان، ثم اختص ببعض ما يستتر عن العيون).
ليس هذا التمثيل مستقيما، لأن النقل إنما هو أن يوضع لفظ لمعنى كلى، ثم يختص ذلك اللفظ ببعض أنواع ذلك الكلى، كما إذا وضع لفظ الحيوان للجسم الحسّاس، ثم يختص بالإنسان، ولفظ الدابة لمطلق مَا دَبَّ، ثم يختص بالفرس، وفرق بين وضع اللفظ لمعنى كلى، فيخصص ببعض أنواعه، وبين وضعه لمعنى كل، وذلك اللفظ مشتق من لفظ آخر، فالاشتقاق لا عبرة به في هذا الباب، بل العرب وضعت لفظ المجنِّ للدَّرَقة، والجَنِيْنِ لما في بطن الحامل، والجنون لمَا ستر العقل، والجان للفريق الخاص الذي هو أحد الثَّقَلَيْن، والكل لاحظت في لفظه اشتقاقا من لفظ الاستتار، فلو خصصت لفظ المجنّ ببعض الدرق، أو الجان ببعض قبائله كان ذلك مثالا للمسألة.
أما إذا وضعت لفظ لمعنى كلى لملاحظة اشتقاق، ولم تخصصه ببعض أنواعه، فهذه حقيقة لغوية لا عرفية، فتأمل الفرق فلا تقع في الغلط، وجميع مُثُلِهِ باطلة بهذا التقرير، فإنه بنى الأمر فيها على الاشتقاق لا على الاختصاص، وينهما فرق كبير.
قوله:(علامة الحقيقة حاملة في هذه الألفاظ).
تقريره: أن علامة الحقيقة السبق إلى الفهم مع التجرد عن القرينة، والتجريد عن القرينة عند إرادة الاستعمال، وتعذر السلب، فإذا قيل: الفضلة غائط لا يقول أحد: ليس هي بغائط.
أمثلة النقص وجود العلّة بدون المعلول، أو الحد بدون المحدود، أو دليل بدون المدلول.