التأكيد يختلف في جواز النطق به بحسب الفعل المنطوق به، "فكل" و"أجمع" لا يؤكد بهما إلا ما تتبعض حقيقته باعتبار الفعل المسند إليه، فتقول: اشتريت الفرس كلها، ولا تقول: جرت الفرس كلها؛ لأنها لا تتبعض باعتبار الجري، وإن تبعضت باعتبار الشراء.
تقرير قوله:"الكل أم الباب" أي هو أبلغ ما يذكر في أنه لم يتأخر من المخبر عنه شيء باعتبار ذلك الفعل المسند، وغيره دونه في المبالغة.
قوله:"والخلاف فيه مع الملحدة الطاعنين في القرآن الكريم" ظاهر الكلام يشعر بأنهم منعوا التأكيد في اللغة، وليس كذلك، بل نازعوا في أن القرآن كلام الله - تعالى - لأجل التأكيد؛ لأنهم اعتقدوه في لسان العرب لنوع من القصور عن تأدية ما في النفس، واحتيج إلى التأكيد، والله - تعالى - غير محتاج لذلك، فلو كان القرآن كلام الله - تعالى - لم يكن فيه تأكيد، وضلوا وكفروا من حيث جهلوا أن الله - تعالى - خاطب عباده بالقرآن على منوال العرب، وجعله قرآنا عربيا في جميع الأساليب العربية، فكل موطن يحسن فيه التأكيد لغة أكد، وكل موضع يحسن فيه التقدم قدم إلى غير ذلك من الأوضاع العربية؛ ليكون القرآن عربيا على وفق حال المرسل إليهم ليكون ذلك أقرب إليهم إلى هدايتهم لتلك المقاصد الإلهية كما قال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين [لهم فيضل الله من يشاءن ويهدي من يشاء، وهو العزيز الحكيم) [إبراهيم: ٤].
فلو أتى الله- تعالى- به على غير هذه الأساليب لعسر عليهم فهمه إلا بعد تعليم وتعب طويل من الرسول- عليه السلام- فهذا معنى خلاف الملحدة فيه، فجاء اللفظ غير واضح لهذا المعنى.