اعلم أنا بينا في أول هذا الكتاب أنه لا حكم قبل الشرع، أجبنا عن شبه المخالفين، ونريد الآن أن نبين أن الأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع بأدلة الشرع؟ فإن ذينك أصلان نافعان في الشرع:
أما الأصل الأول: فالدليل عليه وجوه:
المسك الأول: التمسك بقوله تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعًا}[البقرة: ٢٩] واللام تقتضي الاختصاص بجهة الانتفاع.
فإن قيل: لا نسلم أن اللام تقتضي الاختصاص بجهة الانتفاع؛ والدليل عليه قوله تعالى:{وإن أسأتم فلها}[الإسراء: ٧]{لله ما في السموات والأرض}[البقرة: ٢٨٤] ففي هاتين الآيتين يمتنع أن تكون اللام للاختصاص بالمنافع، ولأن النحاة قالوا: اللام للتمليك، وهو غير ما قلتموه. سلمنا ذلك؛ ولكنه يفيد مسمى الانتفاع، أو يفيد كل الانتفاعات؟.
الأول مسلم، ويكفي في العمل بها حصول فرد واحد من الانتفاعات، وهو الاستدلال بها على الصانع تعالى.
والثاني ممنوع؛ فما الليل؟ سلمنا أنه يفيد كل الانتفاعات، لكن بالخلق؛ لأن اللام داخلة على الخلق؛ فلم قلت: إن المخلوق كذلك؟.