ولقائل أن يقول: إذا كان الراوي عدلاً ثقةً متمكنًا من فهم كلام المجتهد الذي مات، ثم روى للعامي قوله - حصل للعامي ظن صدقه.
ثم إذا كان المجتهد عدلاً ثقةً، فذلك يوجب ظن صدقه في تلك الفتوى؛ وحينئذٍ: يتولد للعامي من هذين الظنين ظن أن حكم الله - تعالى - ما روى له هذا الراوي الحي، عن ذلك المجتهد الميت، والعمل بالظن واجب؛ فوجب أن يجب على العامي العمل بذلك.
وأيضًا: فقد انعقد الإجماع في زماننا هذا على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى؛ لأنه ليس في الزمان مجتهد، والإجماع حجة.
وأما إن حكى عن حي من أهل الاجتهاد؛ فإما أن يكون سمعه مشافهة، أو يرجع فيه إلى كتاب، أو حكاية حال:
فإن كان سمعه منه مشافهة، جاز أن يعمل به، وجاز أن يعمل الغير أيضًا بقوله، ولهذا يجوز للمرأة أن تعمل في حكم حيضها بحكاية زوجها عن المفتين. (ورجع علي - رضي الله عنه - إلى حكاية المقداد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن المذي).
وإن رجع في ذلك إلى حكاية من يوثق بقوله، فحكم ذلك حكم السماع، وإن رجع إلى كتاب، فإن كان كتابًا موثوقا به، جرى مجرى المكتوب من جواب المفتي؛ في أنه يجوز العمل به؛ وإلا فلا؛ لكثرة ما يتفق من الغلط في الكتب.
(الكلام في المفتى والمستفتي)
قال القرافي: قوله: (إذا سئل ثانيًا، وهو ذاكر للطريق الأول، فهو مجتهد يجوز له الفتيا):