منها ما صورها كافية في تحصيل مصالحها، فلا يحتاج إلى النية، كرد الغصوب، ودفع الديون، ونفقات الزوجات والرقيق والأقارب والبهائم، ورد الودائع، ونحو ذلك؛ فإن صورة دفع المال كافية في تحصيل المصلحة المقصودة منه، فإذا دفع بغير نية لا نقول له: لم يجز عنك فأعط مرة أخرى، بل الآخذ انتفع بما أخذه، قصد الدفع أم لا، ومن ذلك النية، فإنها مأمور بها، ومقصودها التمييز، وهو حاصل لها لذاتها، فلا تفتقر إلى قصد يصيرها متميزة لاستحالة وقوعها غير متميزة، فلا جرم استغنيت عن النية لذلك، ولا حاجة إلى التعليل؛ لأنها لو احتاجت النية إلى نية أخرى لزم التسلسل.
ومنها ما لا يكفي تصورها في تحصيل مصالحها كالعبادات؛ فإن مقصودها تعظيم الله تعالى، والتعظيم لا يكون إلا مع القصد؛ فإنك إذا صنعت طعاما لمن تقصد إكرامه، فأكله غير من قصدته فإنك لا تعد معظما له، فإذا لم يقصد الله سبحانه وتعالى بهذه العبادة لا يكون الله سبحانه وتعالى معظما بها، فلا جرم لم تحصل مصالحها إلا بالنية فافتقرت إلى النية، فهذا ضابط ما يحتاج إلى النية مما لا يحتاج.
(قاعدة)
التصرفات ثلاثة أقسام:
منها ما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى، واشترط فيه القصد.
ومنها ما لا يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى، فلا يشترط فيه القصد.
ومنها ما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى، ولم يشترط فيه القصد.