فيه فعل الله - تعالى - وهو حسن عقلا، لا يتوقف عاقل في ذلك، فظهر حينئذ أن الحسن العقلي بتفسيرهم وبتفسيرنا لا يتوقف على السمع، فلا يصح أن يدعى في أصل المسألة، نعم إذا فسر الحسن بكون الفعل متعلق المدح أو الجزاء الشرعي كان محل النزاع، واندرج في دليله، لكنه لم ينقله عنهم ولا عنا، فلا ينتظم كلامه في نصب هذا الدليل على القسمين، وكان اللائق أن يقسم الحسن ثلاثة أقسام:
ما يتعقل بفعل الله تعالى، وما يتعلق بفعل المكلفين، وما يتعلق بالساهي والنائم والبهائم ونحوها.
كما فسر عمومه في أول الكتاب، وقال: إن هذه الأقسام الثلاثة تندرج فيه، ثم نقول: فعل الله - تعالى - حسن عقلا بالإجماع، والقسمان الآخران هما محل النزاع، فإن أهل السنة يجوزون تكليف البهائم والنائم والمجنون وغيرهم، بناء على جواز تكليف ما لا يطاق، وإنما عملوا عدم التكليف في هذه المواطن بالسمع، فهذا تلخيص كون الحسن عقليا أو غير عقلي.
((تنبيه))
ذكر مقدمة ونتيجة، ولا بد في الدليل من مقدمتين، لأنه قال: أفعال العباد منحصرة في الاضطرار والاتفاق، وعلى التقديرين فالقول بالحسن والقبح العقليين باطل.
فقوله: وعلى التقديرين إن كان نتيجة فأين المقدمة الثانية؟ أو مقدمة فأين النتيجة؟ وظاهر كلامه أنها نتيجة، لأنها نفس الدعوى، فينبغي أن يعلم أن إحدى المقدمتين قد يحدث العلم بها، وها هنا كذلك، وأصل الدليل أن يقول: الأفعال منحصرة في الإتفاق والإضطرار، وكل منحصر في هذين لا حسن فيه ولا قبح عقلي، فأفعال العباد يستحيل فيها الحسن والقبح العقليان، فذكر معنى النتيجة أن القول بها باطل.