قال الرازي: دليل العقل: وهو الذي عول عليه إمام الحرمين، رحمه الله، فقال:(إجماع الخلق العظيم على الحكم الواحد يستحيل أن يكون، إلا لدلالة، أو أمارة: فإن كان لدلالة فقد كشف الإجماع عن وجود تلك الدلالة، فيكون خلاف الإجماع خلافًا لتلك الدلالة، وإن كان لأمارةٍ فقد رأينا التابعين قاطعين بالمنع عن مخالفة هذا الإجماع، فلولا اطلاعهم على دلالة قاطعةٍ مانعةٍ من مخالفة هذا الإجماع، وإلا لاستحال اتفاقهم على المنع من مخالفته).
وهذه الدلالة ضعيفة جدًا؛ لاحتمال أن يقال: إنهم قد اتفقوا على الحكم لا لدلالة، ولا لأمارة، بل لشبهة، وكم من المبطلين مع كثرتهم وتفرقهم في الشرق والغرب قد اتفقت كلمتهم لأجل الشبهة.
سلمنا الحصر؛ فلم لا يجوز أن يكون لأمارةٍ تفيد الظن؟
قوله:(رأينا الصحابة مجمعين على المنع من مخالفة هذا الإجماع، وذلك يدل على إطلاعهم على دليل قاطعٍ مانعٍ من مخالفة هذا الإجماع):
قلنا: لا نسلم اتفاق الصحابة على ذلك.
سلمناه؛ لكنك لما جوزت حصول الإجماع لأجل الأمارة، فلعلهم أجمعوا على المنع من مخالفة الإجماع الصادر عن الأمارة؛ لأمارةٍ أخرى.
فإن قلت: إنهم لا يتعصبون في الإجماع الصادر عن الأمارة، وقد تعصبوا في هذا الإجماع؛ فدل على أن هذا الإجماع ما كان عن أمارةٍ.