أما الأول فلأن صاحب الشرع ما نص على ذم كل تارك بعينه بالتنصيص عليه.
وأما الثاني: فلأن الشرع ليس حيا عالما يصدر عن الذم.
وأما الثالث: فأهل الشرع إنما يذمون من علموا أنه ترك واجبا، فذمهم موقوف على معرفتهم بالواجب، فلو عرف الواجب بذمهم توقف كل واحد منهما على صاحبه، ولزم الدور.
جوابه: أن الذام هو صاحب الشرع بصيغ العموم نحو قوله:: ((فأولئك هم الظالمون)) البقرة: ٢٢٩، ((أولئك هم الفاسقون)) الحشر: ١٩ ونحو ذلك، فإن صيغ العموم تتناول كل فرد بعمومها، ثم قوله في جملة الشرع: إنه يلزم الدور، لا يتم لما تقدم في حد العلم، وإن الحدج تفصيل ما دل عليه لفظ المحدود بطريق الإجمال، فجاز أن يكون السامع يعلم ما يذم عليه جملة لاشرع، ولا يعلم أنه الواجب، وبسطه هناك.
الثالث: على قوله: على بعض الوجوه، قال: ليدخل فيه الواجب الموسع والمخير، وعلى الكفاية ولا يذم فيها إلا إذا تركها، وترك بدلها، فنقول: صيغة تذم فعلا في سياق الإثبات، فيكون مطلقا لا يتناول إلا القدر المشترك بين جميع الأقسام، وإذا كان معناه القدر العام اندرج فيه النوعان، ما يذم في بعض الوجوه وفي كلها، كما إذا أتينا بصيغة تتناول مطلق الحيوان، فإنها تتناول الناطق وغيره، فاندرج النوعان، فلا حاجة إلى هذا القيد الزائد وهو قوله على بعض الوجوه.
الرابع: أن قيد بعض الوجوه يخرج ما يذم تاركه على كل الوجوه؛ لأن كل قيد في حد إنما نحترز به عن ضده، فقيد البعض ينافي الكل، فيخرج أكثر الواجبات من الحد، وهي الواجبات المعينة التي لا توسعه فيها.