وتارة يكون مختارا، وهو المهدد بالمؤلمات، فإنه يختار الدفع للمفسدة العليا بالتزام المفسدة الدنيا، فهو مختار بالضرورة، وهو مستند الحنفية في قولهم: إنه مكلف؛ لأنه باختياره ترك ضد ما أكره عليه.
(تنبيه)
زاد التبريزي فقال: تكليف المكره على وفق الإرادة وعلى خلافها جائز؛ لأن الإرادة لا تنافي الاستطاعة، فلا تنافي التكليف.
بيان الأول من وجوه:
الأول: أن فعل المكره في نظر العقلاء إمساك للمكره، ولهذا أوجب سقوط العقوبة، وتركه مخالفة، ولهذا لا ينتظم الاعتذار في تحقيق الوعيد.
الثاني: أن المكره مكلف، وتكليف من لا استطاعة له مع العلم به سفه.
الثالث: أن اإكراه حمل على الفعل بربط محذور يوجب العقل اجتنابه بالترك حتما، أما قولا كالتهديد بالقتل، أو فعلا كالضرب، فامتثال المكره فيه جرى على موجب النظر الصحيح، فيدل على الاختيار، كما لو كان لازما منه بإجراء الله تعالى العادة؛ فإنه يجب فعله شرعا وعقلا، ولو كان الانبعاث خوف لزومه سالبا للخيرة لم يختلف الحال بأن يكون لزومه بحكم العادة، أو حكم الاتفاق.
ويدل على صحته تكليف أحكام اجتماعية:
الأول: وجوب الإتيان بكلمة التوحيد تحت ظلال السيوف، ووجوب إفطار الصوم، وترك الصلاة به.