حقيقة في الثابت، ثم إنه نقل إلى العقد المطابق؛ لأنه ولى بالوجود من العقد غير المطابق، ثم نقل إلى القول المطابق لعين هذه العلة، ثم نقل إلى استعمال اللفظ في موضوعه الأصلي، لأن استعماله فيه تحقيق لذلك الوضع، فظهر أنه مجاز واقع في الرتبة الثالثة بحسب اللغة الأصلية.
وأما المجاز: فإطلاقه على المعنى المذكور على سبيل المجاز أيضا؛ لوجهين: الأول: هو أن حقيقة العبور والتعدي، وذلك إنما يحصل في انتقال الجسم من حيز إلى حيز، فأما في الألفاظ فلا، فثبت أن ذلك إنما يكون على سبيل التشبيه.
الثاني: هو أن المجاز مفعل، وبناء المفعل حقيقة: إما في المصدر، أو في الموضع، فأما الفاعل، فليس حقيقة فيه، فإطلاقه على اللفظ المنتقل لا يكون إلا مجازا.
هذا إذا قلنا: إن المجاز مأخوذ من التعدي.
وأما إذا قلنا: إنه مأخوذ من الجواز، كان حقيقة لا مجازا؛ لأن الجواز، كما يمكن حصوله في الأجسام، يمكن حصوله في الأعراض.
فاللفظ يكون موضوعا لذلك الجواز؛ لأنه موضوع لجواز أن يستعمل في غير معناه الأصلي، فيكون حقيقة من هذين الوجهين، إلا أنا قد ذكرنا أن الجواز إنما سمي جوازا؛ مجازا عن معنى العبور والتعدي، والله أعلم بالصواب.
قال القرافي: قوله: (لفظ فعيل يكون بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول)