قال الرازي: الحق أنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة؛ خلافا لبعض الفقهاء العصريين؛ مثاله: قولهم: (الملك معنى مقدر شرعي في المحل، أثره إطلاق التصرفات) وربما قالوا: (الملك الحادث يستدعي سببا حادثا، وذلك هو قوله: بعت واشتريت، وهاتان الكلمتان مركبتان من الحروف المتوالية، وكل واحد من تلك الحروف لا يوجد عند وجود الحرف الآخر، فإذن: ليس لهاتين الكلمتين وجود حقيقي؛ لكن لهما وجودا تقديريا؛ وهو أن الشارع قدر بقاء تلك الحروف إلى حين حدوث الملك؛ ضرورة أنه لا بد من وجود السبب، حال حصول المسبب) وقد يذكرون هذا التقدير في جانب الأثر؛ فيقولون:(إن من عليه الدين، يكون ذلك الدين مقدرا في ذمته).
واعلم أن الكلام من جنس الخرافات؛ لأن (الوجوب) إما أن يكون مفسرا بمجرد تعلق خطاب الشرع؛ على ما هو مذهبنا، أو يكون الفعل في نفسه؛ بحيث يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذم؛ على ما هو قول المعتزلة.
فإن كان الأول: لم يكن لتعلق الخطاب حاجة إلى معنى محدث، يكون علة له؛ لأن ذلك التعلق قديم أزلي؛ فكيف يكون معللا بالمحدث؟.
وإن كان الثاني: فالمؤثر في الحكم جهات المصلحة والمفسدة؛ فلا حاجة فيه إلى بقاء الحروف.
وأيضا: فالمقدر يجب أن يكون على وفق الواقع، والحروف لو وجدت مجتمعة، لخرجت عن أن تكون كلاما، فلو قدر الشرع بقاء الحروف التي