التجارب، لأنا لا نثبت صانعا ما لم نحس بصنعته بحيكم العقل حينئذ بأن لها صانعا، ويلزم أيضا ألا تكون هذه تجريبية، فإن أصل الحس ليس كافيا فيها، بل لا بد من التكرر في أدوية الأمراض وأسبابها، وإن كان لابد من التكرر ولا يكفي أصل الحس بطل قوله: إن كان مركبا منا لحس والعقل هو المجربات فإن أصل الحس حينئذ ليس كافيا، بل الحس مع التكرر، وهذا هو الصحيح وإلا لكان الاستدلال بالصنعة على صانعها تجريبا، وليس كذلك اتفاقا، بل هو من العقلى الصرف، وإذا تقرر أن تكرر الحس مع العقل هو مدرك التجارب، لزم أيضا أن يكون كل موضوع حصل فيه استدلال بدوران فيه حس أن يكون تجريبا، وقد لا يمتنع تسمية ذلك تجريبا، كدوران غضب زيد مع سماعنا لا سماعه الكلام المغضب، ويخرج عن ذلك الدوران الذي ليس فيه حس مع العقل كدوران تحريم الخمر مع إسكارها، فإن كونها مسكرة وتحريمها ليس أحدهما مدركا بالحس، أما التحريم فقائم بذات الله تعالى، وأما الإسكار فأمر باطن في النفس أوفي الدماغ على ما يقوله الأطباء، نعم دليل التحريم قد يعلم بالحس، وقد يكون بعلم ضرورى غير محسوس، وآثار السُّكر قد تظهر للحس، وقدتدرك بالقرائن بالاستدلال العقلى.
الخامس عشر: قوله: ((الذي لا يكون لموجب هو اعتقاد المقلد)) يلزم عليه أن التقليد كله اعتقاد مطابق لا لموجب، لأنه جعل التقليد قسما من المطابق فيكون مطابقا، وليس كذلك، لأن أكثر التقليد غير مطابق كتقليد عوام الكفار، والمبتدعة، وغيرهم لآبائهم، ورؤساهم، قال الله:((إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)) الزخرف: ٢٣ فيكون حد التقليد غير جامع، فيكون باطلا بل التقليد هو أخذا لقول عن قائله بغير دليل حقا أو باطلا، أو بقول المقلد وهو ظاهر حال المقلد، وهو نفي مطلق الموجب.