قال الرازي: أهل العصر، إذا اختلفوا على قولين، ثم رجعوا إلى أحد ذينك القولين، هل يكون ذلك إجماعًا؟.
أما من قال بانعقاد الإجماع في المسألتين السابقتين، فقوله به هاهنا أولى. ونثبت هذه الأولوية من وجهين:
أحدهما: أن في المسألتين السابقتين: لقائل أن يقول: المجمعون ليسوا كل الأمة؛ فلا يكون اتفاقهم قولا لكل الأمة، فلا يكون حجةً.
وأما هاهنا فهذه الشبهة زائلة؛ لأن الذين اتفقوا هم بعينهم الذين اختلفوا، فكان المجمعون كل الأمة.
وثانيهما: أن في المسألتين السابقتين: ما صار القول الثاني مرجوعًا عنه أصلا، وهاهنا صار كذلك.
وأما المنكرون لانعقاد الإجماع هناك، فقد اختلفوا هاهنا، فأما من اعتبر انقراض العصر، فإنه جوز ذلك؛ قال: لأن الانقراض، لما كان شرطًا في الإجماع، وهم لم ينقرضوا على ذلك الخلاف، فلم يحصل الإجماع على جواز الخلاف، فلم يكن الاتفاق حاصلا بعد الإجماع على جواز الخلاف.
وأما من لم يعتبر الانقراض، فقد اختلفوا، فمنهم من أحال وقوعه، ومنهم من جوزه، وزعم أنه لا يكون حجةً، ومنهم من جعله إجماعًا يحرم خلافه؛ وهو المختار.