قال: قوله: (تقدم العلة على الحكم أقوى إشعارًا بالعلية) الأمر بالعكس؛ فإن الكلام إنما وقع في وصف لم يعرف كونه علّة، فكيف يقال: هو أشدّ إشعارًا بمعلوله؟ وإنما إذا تقدم الحكم بقيت النفس متشوّقة لعلّة ذلك الحكم غاية الشوق، فإذا ذكرت العلة بعد ذلك، سكنت النّفس، ولم تطلب غير هذا الوصف المتقدم؛ لأن هنا معنى آخر أشبه منه.
قلت: وسر هذا السؤال: أن النفس أشد بحثًا عن علّة الحكم من حكم العلّة؛ لأن العقول طالبة للحكم، وهي في ضمن العلل، فلذلك أمكن العدول عن العلّة السابقة، وهذا الذي قال مشترك فيما إذا تأخّرت العلّة أمكن أن يقال: المذكور الآن ليس بعلّة أيضًا.
(فائدة)
قال الغزالي في (شفاء الغليل (: قد يجرى الاسم على اللّسان ولا يكون مقصودًا، ويعرف ذلك بالعادة في النظم، كقوله- عليه السلام-: (من أعتق شرْكًا له في عبدٍ)، (وأيما رجل مات أو أفلَسَ، فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه)، فالرجل والعبد لا أثر له في الحكم، بل عادة يسبق اللسان إليه؛ لأن العادة تغليب الذكور في التلفظ على الإناث.
ومنه: قوله تعالى: {ولحم الخنزير}؛ لأن المستعمل دون الشحم والجلد ونحوهما، فهو كقوله تعالى:{والخنزير}، وتخصيص اللحم للعادة.