قال القرافى: قوله: (منهم من أوجب الأخذ بقول الأعلم، وهو الأقرب):
تقريره: أن القاعدة الشرعية: أنه يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها، فيقدم في القضاء من هو أعلم بوجوه الأقضية من التفطن لوجوه الحجاج، ومكايد الخصوم.
وفي الحروب من هو أعلم بمكايد الحروب، وسياسات الجيوش.
وفي كفالة الأيتام: من هو أعرف بيتمه والأموال، ومقادير الفروض.
وفي جباية الصدقات: من هو أعلم بالنصب، وأحكام الزكاة.
وربما كان المقدم في باب مؤخرًا في باب، فتقدم المرأة في الحضانة؛ لوفور شفقتها، وكثرة صبرها بالنسبة إلى الرجل؛ فإن أنفة الرجولية تأبى الصبر على الأطفال، فتقدم المرأة لذلك.
وتؤخر في الجهاد؛ لخور طبعها في الحروب، وملاقاة الأعداء، وأسباب الموت والفناء.
ولذلك قدم الفقيه في إمامه الصلاة؛ لكونه أعلم بتوقيعها، وعوارضها من القارئ، وكذلك -هاهنا -محط الفتيا، وسوغها، إنما هو العلم، فالأعلم يقدم.
قال الشيخ أبو إسحاق -في (اللمع): (إذا استويا ثلاثة أقوال: التخيير، تعيين الأرجح، يجتهد فيهما).
وقال أبو الخطاب الحنبلي في (التمهيد): (وقيل: يأخذ بالأشد، ويترك الأخف، إن كان فيهما أخف، وإذا قلنا بالتخيير، قال بعض الشافعية: ليس له أن يختار الأخف).