قال الرازي: قالوا: خطاب الله تعالى كما قد يرد بالإقتضاء أو التخيير،
فقد يرد أيضا بجعل الشيء سببا وشرطا ومانعا، فلله تعالى في الزاني حكمان: أحدهما: وجوب الحد عليه، والثاني: جعل الزنا سببا لوجوب الحد؛ لأن الزنا لا يوجب الحد بعينه وبذاته بل بجعل الشارع إياه سببا.
ولقائل أن يقول: إن كان المراد من جعل الزنا سببا لوجوب الحد هو أنه قال: ((متى رأيت انسانا يزني فاعلم أني أوجبت عليه الحد)) فهو حق ولكن يرجع حاصله إلى كون الزنا معرفا بحصول الحكم، وإن كان المراد: أن الشرع جعل الزنا مؤثرا في هذا الحكم، فهذا باطل لثلاثة أوجه:
الأول: أن حكم الله تعالى: كلامه، وكلامه قديم، والقديم لا يعلل بالمحدث.
الثاني: أن الشرع لما جعل الزنا مؤثرا في وجوب هذا الحد، فبعد هذا الجعل إما أن تبقى حقيقة الزنا كما كانت قبل هذا الجعل أو لا تبقى: فإن بقيت كما كانت، وحقيقته قبل هذا الجعل ما كانت مؤثرة فبعد هذا الجعل وجب أن لا تصير مؤثرة، وإن لم تبق تلك الحقيقة، كان هذا إعداما لتلك الحقيقة، الشيء بعد عدمه يستحيل أن يكون موجبا.
الثالث: الشرع إذا جعل الزنا علة، فإن لم يصدر عنه عند ذلك الجعل أمر ألبتة استحال أن يقال إنه جعله علة للحد؛ لأن ذلك كذب، والكذب على الشرع محال.