قال الرازي: (القول في التراجيح العائدة إلى ما يدل على أن ذات العلة موجودة":
اعلم أن العلم بوجود تلك الذوات: إما أن يكون بديهيا، أو حسيا، أو استدلاليا، والاستدلال: إما أن يفيد العلم، أو الظن، وعلى التقديرين: فذلك الدليل: إما أن يكون عقليًا محضًا، أو نقليا محضًا، أو مركبًا منهما: فلنتكلم في هذه الأقسام: فنقول: أما إذا كان الطريق مفيدًا لليقين، سواء كان بديهيًا، أو حسيًا، أو استدلاليا يقينيا، وسواء كان عقليا محضا، أو نقليا محضًا، أو مركبًا منهما، وسواء كثرت المقدمات، أو قلت، فإنه لا يقبل الترجيح، وكلام أبي الحسين يدل على أنه يقبل - أما أن القطعيات لا تقبل الترجيح: فلما تقدم.
فإن قلت: الضروري أولى من النظري؛ لأن الضروري لا يقبل الشك والشبهة، والنظري يقبل ذلك.
قلت: النظري واجب الحصول عند حصول جميع مقدماته المنتجة له، كما أن البديهي واجب الحصول عند حصول تصور طرفيه، وكما أن النظري يزول عند زوال أحد الأمور التي لابد منها في حصول جميع مقدماته المنتجة له - فكذلك الضروري يزول عند زوال أحد التصورات التي لابد منها؛ فإذن: لا فرق في وجود الجزم عند حضور موجباته في البابين، بل الفرق هو أن النظري يتوقف على أمور أكثر مما يتوقف عليه الضروري؛ فلا جرم كان زوال النظري أكثر من زوال الضروري، فأما وجوب الوجود، وامتناع العدم عند حصول كل