نقول: التقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب، وإن كان المحل قابلا لذلك الوجود. قيل: التقابل بينهما العدم والملكة، فالملكة هي الوجود المقبول، والعدم هو النفي الذي لا يقابله، وسمى بذلك، لأنه لما كان يقبله عد كأنه مالك له، وعلى هذا العدم والملكة متنافيان، وهما ضدان لإمكان رفعهما بأن يكون الوجود ليس واقعا، والعدم غير واقع، لأن المحل لا يقبل ذلك الوجود، مع أن أحدهما ليس ثبوتيا، فانتقضت القاعدة.
الخامس: ينبغي أن يعلم أن الخلافين قد يمكن افتراقهما مع إمكان اجتماعهما وارتفاعهما، وقد لا يمكن، فالأول كالحركة والبياض، والتاني كالزوجية مع العشرة، وسائر اللوازم مع الملزومات، فإنهما لا يفترقان، وهما خلافان لانطباق حد الخلافين عليهما.
إذا تقررت هذه الحقائق الأربعة، فتقول: قاعدة الكليات لا تناقض بينها لإمكان ارتفاعهما، والنقيضان لا يرتفعان، كقولنا: كل عدد زوج، ولا شيء من العدد بزوج، كلاهما كاذب، فقد ارتفعا، والجزئيتان لا تناقض بينهما لإمكان اجتماعهما على الصدق، كقولنا: بعض العدد زوج، وبعضه ليس بزوج، والنقيضان لا يجتمعان، فتكون الكليتان ضدين، والجزئيتان ضدين، فحينئذ التناقض إنما يقع بين الكلية والجزئية المخالفة لها في السلب أو الإيجاب، فتقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية، ونقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية، فعلى هذا اتجه منع قوله: كل واحد منهما يستعمل لتكذيب الآخر، لأن الضارب موجبة جزئية، وليس بضارب سالبة جزئية، والجزئيتان لا تناقض بينهما ما لم يضف إلى احديهما الدوام فنقول: ضارب دائما، أو ليس ضارب دائما، فبقيد الدوام تصير كلية تقابلها الجزئية بالتناقض، ولا يمكن الإضافة ها هنا في ضارب، لأن التقدير أنه ضارب في الماضي فقط.