أحسن ما قيل فيه ما ذكره أبو الحسين، وهو: أن الحقيقة ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به، وقد دخل فيه الحقيقة اللغوية، والعرفية، والشرعية.
والمجاز:(ما أفيد به معنى مصطلح عليه، غير ما اصطلح عليه في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب بها؛ لعلاقة بينه وبين الأول).
وهذا القيد الأخير لم يذكره أبو الحسين، ولابد منه، فإنه لولا العلاقة، لما كان مجازا، بل كان وضعا جديدا.
وقوله:(معنى مصطلح عليه): إنما يصح على قول من يقول: المجاز لابد فيه من الوضع، فأما من لم يقل به، فيجب عليه حذفه.
وأما قوله:(غير ما اصطلح عليه في أصل تلك المواضعة) ففيه سؤال؛ وذلك أنه يقتضي خروج الاستعارة عن حد المجاز.
بيانه: أنا إذا قلنا؛ على وجه الاستعارة:(رأيت أسدا) فالتعظيم الحاصل من هذه الاستعارة ليس لأنا سميناه باسم الأسد؛ ألا ترى أنا لو جعلنا الأسد علما له، لم يحصل التعظيم ألبتة؟ بل التعظيم إنما حصل؛ لأنا قدرنا في ذلك الشخص صيرورته في نفسه أسدا، لبلوغه في الشجاعة التي هي خاصية الأسد إلى الغاية القصوى، فلما قدرنا أنه صار أسدا في نفسه أطلقنا عليه اسم الأسد؛ وعلى هذا التقدير لا يكون اسم الأسد مستعملا في غير موضوعه الأصلي.
وجوابه: أنه يكفي في تحصيل التعظيم أن يقدر أنه يحصل له من القوة مثل ما للأسد، فيكون استعمال لفظ الأسد فيه استعمالا للفظ في غير موضوعه الأصلي.