وأعلم: أن الناس ذكروا في تعريف الحقيقة والمجاز، وجوها فاسدة:
أحدها: ما ذكره أبو عبد الله البصري، ألا وهو أن الحقيقة: ما انتظم لفظها معناها من غير زيادة، ولا نقصان، ولا نقل.
والمجاز هو: الذي لا ينتظم لفظه معناه: إما لزيادة، أو لنقصان، أو لنقل:
فالذي يكون للزيادة هو الذي ينتظم عند إسقاط الزيادة؛ كقوله تعالى:} ليس كمثله شيء {] الشورى: ١١ [فإنا لو أسقطنا الكاف، استقام المعنى.
والذي يكون للنقصان هو الذي ينتظم الكلام عند الزيادة؛ كقوله تعالى:} واسأل القرية} [يوسف: ٨٢ [، ولو قيل: واسأل أهل القرية، صح الكلام.
والذي يكون لأجل النقل قوله:) رأيت أسدا (وهو يعني الرجل الشجاع.
واعلم أن هذا التعريف خطأ؛ لأن المجاز بالزيادة والنقصان إنما كان مجازا؛ لأنه نقل عن موضوعه الأصلي إلى موضوع أخر في المعنى، وفي الإعراب، وإذا كان كذلك، لم يجز جعلهما قسمين في مقابلة النقل.
أما في المعنى؛ فلأن قوله تعالى:} ليس كمثله شيء} [الشورى: ١١ [يفيد نفي مثل مثله، وهو باطل؛ لأنه يقتضي نفيه - تعالى الله عن ذلك - إلا أنه نقل عن هذا المعنى إلى نفي المثل، وكذلك قوله تعالى:} واسأل القرية} [يوسف: ٨٢ [موضوع لسؤال القرية، وقد نقل إلى أهلها.
وأما في الإعراب؛ فلأن الزيادة والنقصان، متى لم يغير إعراب الباقي، لم يكن ذلك مجازا؛ فإنك إذا قلت: جاءني زيد وعمرو، فهو في الأصل: جاءني زيد وجاءني عمرو، إلا أنه حذف أحد اللفظين؛ لدلالة الثاني عليه، لكن لما لم يكن الحذف سببا لتغيير الإعراب، لم يحكم عليه بكونه مجازاً.